
أخبار بلا حدود- في مشهد حضاري نابض بالحياة؛ تعيش مدينة تيارت هذه الأيّام على وقع حملة كبرى غير مسبوقة، حملت معها ألوان الفرح وروح الإنتماء؛ وكسرت رتابة الجدران الباهتة؛ لتُعيد للمدينة عبقها الأصيل ورونقها المفقود،
“إجعل مدينتك جميلة”… شعار لم يبق حبرًا على ورق؛ بل تحوّل إلى واقع ملموس تلمسه العيون قبل القلوب؛ بعدما تدافعت سواعد المتطوعين؛ وإمتزجت أنامل الرسامين بألوان الجداريات، لتروي جدران الأحياء حكاية مدينة قررت أن تنتفض على الغبار والإهمال،
من الأزقة الضيّقة إلى الشوارع الرئيسية؛ ومن السلالم التي طالما شكّلت رمزًا في ذاكرة تيارت، إلى واجهات المباني والمحلاّت، إمتدت فرشاة الجمال لتكسو كل زاوية، مشهد يفيض بحيوية مدن المتوسط، حتى رأى فيه البعض نسخةً جزائرية من هافانا، بألوانها الدافئة التي تأسر العيون وتبث البهجة في أوصال المكان،
لم يكن الأمر مجرّد حملة طلاء؛ بل فعل إنتماء جماعي جسّدته مبادرات السكان وتلاحم الجمعيات المحليّة، ووقوف السلطات على قدم وساق لتسخير الإمكانيات البشرية والمادية، والي الولاية؛ من جانبه؛ وجّه نداءً صريحًا لكل المواطنين للإنخراط في “السبت البيئي”؛ حيث توحّدت الجهود في تنظيف الشوارع؛ رفع النفايات؛ القضاء على النقاط السوداء؛ طلاء الأرصفة؛ وإنعاش المساحات الخضراء،
ولم تكتف الحملة بإزالة الأوساخ أو مخلفات البناء؛ بل تجاوزت ذلك إلى صناعة ذاكرة بصرية جديدة للمدينة؛ حيث أبدع الفنانون في رسم جداريات تحاكي التراث وتستحضر رموز تيارت، لتتحول الجدران إلى لوحات مفتوحة على الفضاء العام، كما أنّ تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي جاء مبهرًا؛ إذ تناقلت الصفحات الوطنية وحتى الأجنبية صورًا ومقاطع تُظهر حيوية المبادرة، وإنهالت التعليقات المشيدة بوعي السكان وروحهم التطوعية؛ حتى أعتُبرت الحملة نموذجًا ينبغي تعميمه عبر باقي ولايات الوطن،
ومن الطريف أنّ بزوغ هذه الألوان جاء كجواب حضاري على صائفة العام الماضي؛ حين عانت تيارت واحدة من أقسى أزمات العطش في تاريخها، وكأنّ المدينة تقول للعطش إنّها قادرة على النهوض من رماد الأزمات؛ لتكتب اليوم قصة أخرى؛ عنوانها التضامن والإرادة،
هذه الحملة لم تولد من فراغ؛ إذ يعود فضل إطلاق شرارتها الأولى إلى الناشط محمد محوز؛ الذي بادر عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى دعوة الساكنة والمجتمع المدني لتجميل مدينتهم؛ فوجد صدى لدى السلطات المحلية والمواطنين على حد سواء؛ لينطلق قطار الجمال بلا عودة،
هكذا؛ وبين رائحة الطلاء العالق في الأزقة؛ وإبتسامات المارة الممزوجة بدهشة الإكتشاف؛ تعلن تيارت أنّها مدينة تعرف كيف تغسل وجهها من غبار الأمس؛ وتكتسي بألوان الغد، مدينة أيقنت أنّ الجمال ليس زينة عابرة؛ بل عهد متجدّد مع الحياة؛ ووعدٌ يوميّ تكتبه الألوان على صفحات جدرانها؛ لتبقى شاهدة على روحٍ تأبى أن تذبل،
تيارت اليوم لا تنتظر من يصفق لها؛ بل تدعو الجميع أن يلتحقوا بركبها؛ لأنّ المدن الحيّة… هي تلك التي ترسم ملامحها بيدها.
جامعة إبن خلدون بتيارت… حبرٌ يمشي على الأرض، يخطّ للعلم دُروبًا وللتنمية أفقًا – مقال محمد سبع
إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.