سميرة بيطام: قطاع الصحة الجزائري النقائص في حبكة المساءلة القانونية

سميرة بيطام
 

أخبار بلا حدود- بداية وقبل كل شيء أترحم على شهداء حافلة الحراش، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته وألهم ذويهم الصبر والسلوان.

عودة مني في كتابة عن  الأوضاع المستجدة في قطاع الصحة ، والذي يبدو أني توقفت مطولا في تشخيص بعض العلل فيه، بعد موضوع الرقمنة الذي تساءلت في مقال لي ان ماكان كافيا لتطوير قطاع الصحة في الجزائر ، والذي أضفى الجديد على هذا القطاع الحساس والمهم، كما كنت أقول دائما ، مع ملاحظة وتفحص عن بعد لمجريات العمل في المستشفيات والعيادات ووحدات العلاج.

ولا يخفى على أحد ، أنه على اثر أي حادثة أو فاجعة الا ويكون ممثلوا قطاع الصحة حاضرون على اختلاف رتبهم ومهامهم، أعني بذلك الأطباء والشبه طبيون ومسؤولو الوزارة الوصية  في حالة الطوارئ او في حالة تدشين مؤسسات جديدة او مصالح علاجية، بتمثيل من شخص الوزير نفسه أو من يساعده في المهام ، بالإضافة الى قطاعات أخرى لا تنأى عن الحضور لعين المكان على اثر الحوادث المفاجئة،  وقد شهدت الجزائر العديد من الوقائع ، وكمجاراة لتقييم الوضع فيها ، تطلب ذلك  آليات خاصة تتناسب مع الوقائع وبما تمليه طبيعة الحادثة وكذا حجم الخسائر المسجلة.

كما قلت ولا زلت أقول دائما  ، أن قطاع الصحة ممثلا في مستخدميه  يتحمل عبأ ومسؤولية كبيرة في تأطير الحوادث بقديم الخدمات اللازمة  والمستعجلة في عين المكان ،سواء اسعافات أولية أو بنقل المصابين الى وحدات الاستعجالات لتلقي الرعاية اللازمة، وهو ما يوضح الدور الأساسي لقطاع الصحة كهيكل عملي وتنظيمي يخرج عن المألوف المتمثل في تقديم الخدمات العلاجية العادية والروتينية على مستوى  المصالح الاستشفائية، الى التواجد في أماكن الحوادث ، وهو ما يضيف لهذا القطاع الإنساني مسؤولية إضافية أو ربما هي في الأساس مسؤولية أصلية لكنها مضاعفة، وربما يعود  ذلك لطبيعة العمل في هذا القطاع، اذ لا يكتفي الطبيب أن يبقى في مكتبه  يتفحص المرضى أو في غرفة العمليات  بصفته جراحا ليجري العمليات الجراحية ،أو في مهام التفتيش كاطار اداري بخلفية طبية ،بل ان دواعي الحاجة والضرورة تستقطب الكادر الطبي والشبه الطبي الى أماكن بكون فيها الواجب ملحا أكثر من ضروري حين يتعلق الأمر بإنقاذ حياة المصابين في هذه الحوادث على جناح السرعة.

هذا من ناحية الواجب الأخلاقي والإنساني لممثلي قطاع الصحة وقت الأزمات والحوادث، لكن ما  لا يزال البعض يردد على لسانه ونسمعه من حين لآخر أو في فترة ما هو  أن القطاع لا يزال يعرف نقائص وفجوات  تستدعي وقوف المسؤول في القطاع اليوم ليجس نبض المشكلة وما هي تحديدا، لأن المواطن يتذمر أحيانا من عدم تلقيه المطلوب على مستو مصالح وإدارة المستشفيات ، ولو أن الدولة قد سخرت لأجل خدمة هذا المواطن ما يحتاجه من أدوية وأجهزة بأغلفة مالية مرتفعة وما يحتاجه أيضا  من ضروريات العلاج، فهل ان موقف المواطن من هذه النقائص هو عين الصواب أم ثمة اشكال آخر يغطي على حقيقة هذه النقائص التي يتردد القول بشأنها في عدم الاستقبال الجيد للمرضى وعدم قبول الوافدين الى الاستعجالات أو تحويلهم الى مستشفيات ومراكز علاجية أخرى؟.   

وهنا يُطرح سؤال آخر: هل المواطن مثقف كفاية حول  رزنامة ونظام العمل في المستشفيات العمومية منها أو الخاصة ، وكذا طبيعة نشاط كل مستشفى ؟، أم أن المواطن يدرك بالمفهوم الإنساني البديهي أن أي شخص في حالة خطرة يجب التكفل به  من غير حق في إعادة توجيهه الى ما يتوافق وطبيعة حالته المرضية أو نوع الإصابة ان ما كان متضررا من حادث ما ، حتى ولو لم يكن التخصص المطلوب غير موجود بالمستشفى وأكثر دقة بمصلحة الاستعجالات التي منها تم تحويل المريض الى المصلحة التي تتكفل بعلاجه ومتابعته.

وحين يتساءل المواطن أو المريض أيا كان حال المتساءل عن جهاز السكانير المتعطل أو عدم وفرة نوع من التحاليل  او تأجيل موعد طبي ، أو حين يزعجه موقف ممرض أو موظف اداري وهو ماسك بالهاتف مطولا ناسيا أو متناسيا أن مريضا أو جريحا أمامه ووجب الاصغاء لألمه، فأيا كان سؤال هذا المواطن، هناك حقائق نعيشها كلنا ولو لفترات متباعدة ، كلما أخذتنا الحاجة الى المستشفى فنتساءل بيننا وبين أنفسنا عن هاجس تعطل الخدمة أو تأخرها ، عن عدد المرضى الحاضرين والتذمر باد على وجوههم من الانتضار لاجراء فحص طبي، عن قلة المورد البشري في الأطباء ، فيجد الطبيب المختص نفسه مطلوبا في أكثر من جهة..هل هي مظاهر تستحق التساؤل لتصنف في قائمة النقائص؟ ، مع اأن الرقمنة اقتحمت الأجهزة الحاسوبية في كل مكان من المستشفى ، ويُترض ان التنظيم والسرعة في تقديم الخدمة يكل في أوج ارتفاعه .

ولنضرب مثالا على اضطراب تقديم الخدمة شكليا ، ممثلا في حادثة الحافلة التي وقعت في واد الحراش، والتي  تشرح جملة من النقائص التي تعاني منها بعض القطاعات، فمن تدخل لإنقاذ الغرقى للوهلة الأولى للحادث  يكون قد أدى واجبا إنسانيا راقيا في ظروف أقل ما يُقال عنها  أنها مزرية وهي السباحة في مياه قذرة .

اذ يُفترض أن من قصد مستشفيات الجزائر طلبا للفحص والمعاينة يكون قد حظي بالاهتمام من الدرجة الأولى ، لا أن يُطلب منه الذهاب الى مستشفى آخر بحجة أن الخدمة المطلوبة غير متوفرة، ألا تستحق بعض المستشفيات أن تكون تحت المساءلة القانونية أو على الأقل اجراء تحقيق للوقوف صراحة على مثل هذه التصرفات، دون اغفال احقية الرفض ان ما كان الطلب  يخالف نظام العمل  وطبيعة الاختصاص، كمعاينة الوافد للمستشفى للتاكد من سلامته من أي عدوى، وهذا تخصص لا يكون على مستوى جميع المستشفيات، فعلى الوافد للمستشفى أن لا يبني قلقه من باب أن له الأحقية في الفحص وانتهى الأمر، بل عليه فهم ضوابط وآليات العمل دون خلط الأمور ، حتى نكون واقعيين  ومنصفين ودون محاباة لأي طرف.

فاذ كان المواطن الجزائري عند دواعي الحالات الحرجة  والأزمات يتدخل ويغامر بنفسه من أجل تقديم خدمة إنسانية يعجز عنها البعض ،فمن واجب الامتنان تقدير هذا الفعل ، والمساءلة  تأخذ سياق البحث والتحقيق والتحري الدقيق في حالة ما كان هناك تقصير فعلي ومتعمد في عدم استقبال حالات كهذه، لن من يعرض نفسه للخطر لإنقاذ حياة الآخرين وجب حمايته تحت طائلة العقوبة القانونية لمن يتقاعس عن ذلك، الا اذا كان للمطلوب غير ممكن تحقيقه لسبب من الأسباب التي ذكرتها سابقا، حتى لا يكون كل أمر مطلوب فيه المساءلة القانونية والتحقيق.

يبقى أن التسويف في أمور رفض الخدمة أو تجاهل المسؤولية المنوطة بمستخدمي الصحة ، لا اعتقد انها تصل لدرجة التعمد المبالغ فيه، بالنظر الى بعض النقائص في ظروف العمل ، والتي تجعل من آداء الخدمة غير مكتمل ، لكن معالجة أي نقيصة تبقى واجب حتى لا تهتز الثقة بين المواطن وبين ممثليه في المسؤولية ، فبما أن الاستعداد النفسي لمظاهر التضامن كان واضح بعد الحادثة الأخير في  واد الحراش ، من المفروض يقابله استعداد معنوي وخدماتي يرفع من معنويات المنقذين الذين غامروا بأنفسهم من أجل انقاذ الغير.. ويزيد من مظاهر التلاحم والتآخي بين فئات المجتمع .

اذا، المساءلة القانونية بالمفهوم النمطي  لن تتم على مستوى واحد ، ولن تقوم بها جهة على حساب جهة ، بل هي مساءلة ضمير بالدرجة الأولى ومساءلة أخلاق إزاء أي مشكلة أو عارض أو نقيصة، فما نحن بحاجة  اليه هو مراجعة صريحة في تحديد المسؤوليات ، كما أننا بحاجة لتفعيل عنصر الأخلاق  كلما تطلب الأمر والموقف ذلك، فاذا كان الشعب الجزائري معروف عليه ومُتعود منه  أنه يثبت مع كل ازمة موقفه البطولي تجاه الإنسانية ، فحري جدا أن يستحق هذا الشعب نفس الموقف ولو بكلمة طيبة تمسح معها آثار متاعب الحياة من ضيق العيش ونقص في المادة وصعوبة في التكيف مع عجلة استمرار الحياة السريعة بتسارع الزمن  وهي في كل يوم تضغط بمتاعب أخرى تزيده مللا متساءلا  بصيغة الخوف من المستقبل والذي هو في حقيقته حاضر مُعاش :

الى متى  هذا التراجع في منظومة القيم والأخلاق وسط تحديات ورهانات تقف على أعتاب حدودنا بل بداخل مجتمعنا ، فب الوقت الذي يُطلب من الجميع أن يستعد لمواجهتها بكثير من اليقظة والحزم والجد.

ترى هل وصلت  الفكرة  الجوهرية ؟ ، فكرة أن الإنسانية تعاني في كل مكان وعلى مراتب ومستويات مختلفة، ووجب احاطتها بانسانية المحاسبة ونقد الذات على أي تقصير .

وفي سياق فكرة الإنسانية دائما ،  نتضامن مع إخواننا في غزة الذين أنهكتهم الحرب وما سببته من نقص في المؤونة وتراجع صارخ في الخدمة الطبية بسبب قصف المستشفيات وتهديم البنى التحتية فيها .

وأخيرا ، اذا جاءك المتألم عليك أن تنصت له  بقلب مرهف وعقل واع مدركا أن من ما جيء به الى المستشفى ليس للاستجمام أو للتفسح،  بل طلبا للمساعدة التي كفلها الدستور والأخلاق والعرف، فهل سيكون المواطن و الموظف والطبيب والوزير على قدر عال من تقدير المسؤولية  وفهمها الفهم الصحيح بعيدا عن المزايدات والمغالطات ، كونها تكليف وليس تشريف،  ومسؤولية المواطن هي أن يكون مدركا ومستوعب  لنظام العمل  وللقوانين ولحقوقه بالدرجة الأولى، فلا أحد يقدم خدمة بالمجان للآخر ، فالكل متواجد وحاضر ليساعد بعضه البعض وانما الاختلاف في الرتبة ودرجة الوعي ونسبة صحوة الضمير وحجم الأمانة المطلوب تمثيلها والحفاظ عليها كمسؤولية لا يمكن التملص منها تحت أي ذريعة كانت .

الأستاذة: سميرة بيطام

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

سبع محمد

لهيب شوشاوة تحت السيطرة… بتضافر الأبطال في البرّ والجوّ – مقال محمد سبع

أخبار بلا حدود- في مشهدٍ يعكس اليقظة الميدانية والتأهب المستمر لمصالح الحماية المدنية، تدخلت الوحدة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!