بريد الجزائر في مواجهة أشباح رقمية…والزبائن في مرمى الهجمات – مقال محمد سبع

سبع محمد
 

أخبار بلا حدود- في فضاء رقمي يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم؛ تحوّلت فيه الأجهزة المحمولة إلى مراكز يومية لإدارة الحياة الشخصية والمهنية؛ لم تعد الرسائل النصية القصيرة مجرّد وسيلة للتواصل اليومي؛ بل أصبحت منصّة يستغلها المحتالون لتطبيق أخطر أشكال التصيد الاحتيالي،هنا؛ لا يُسخّر المجرمون تقنيات الإختراق المعقدة بقدر ما يراهنون على أسلوب أدق وأخطر: الهندسة الاجتماعية؛ تقوم هاته الأخيرة على إستغلال الثقة الفطرية لدى الإنسان؛ ودفعه عبر الخداع النفسي إلى فتح رابط أو مشاركة بيانات حساسة؛ في لحظة تسرّع أو خوف أو حتى طمع، وهكذا؛ يغدو الهاتف الذكي ساحة مواجهة غير متكافئة؛ حيث يزرع المحتال رسالة نصية مُصاغة بعناية؛ لتبدو وكأنّها واردة من بنك؛ شركة إتصالات؛ مؤسسة حكومية؛ أو حتى شركة شحن أو توصيل،

في قلب هاته الظاهرة؛ برزت مؤسسة بريد الجزائر كإحدى المؤسسات الأكثرإستهدافًا؛ لما تمثله من ثقة مجتمعية ولإرتباطها الوثيق بالحياة المالية اليومية للملايين من الجزائريين عبر البطاقة الذهبية وتطبيق BaridiMob، وهو ما يجعل أي محاولة إنتحال لإسم المؤسسة فرصة ذهبية للمجرمين؛ يكفي أن تصل رسالة قصيرة إلى المواطن تحمل إسمًا مضللًا يوحي بأنّها صادرة عن المؤسسة،

أسلوب المحتالين يبدو متكررًا لكنه فعّال: رسالة تستعجل المتلقي بعبارات مثل “تم إختراق حسابك” أو “يرجى تحديث بياناتك فورًا”مرفقة برابط وهمي يشبه المواقع الرسمية، الضحية؛ تحت ضغط الخوف أو بدافع الطمع؛ وبمجرد النقر على الرابط؛ يفتح أمامه موقع مزيّف يحاكي بدقة واجهة المؤسسة؛ فيطلب منه إدخال المعطيات الشخصية وكلمة السر؛ وما إن يتم ذلك؛ حتى تنتقل المعلومات مباشرة إلى أيدي المجرمين، إنّها ممارسة إحتيالية تقوم على إستغلال لحظة إرتباك نفسي؛ لا على إلمام تقني ،

وإدراكًا لخطورة الأمر؛ مؤسسة بريد الجزائر لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي، فقد سارعت مرارًا إلى إطلاق بيانات رسمية تحذّر فيها المواطنين من هذه الرسائل المشبوهة؛ مؤكدة أنّ المعرّف الوحيد لرسائلها النصية هو (ALG Poste)؛ وأنّ أي رسالة تحمل هوية أخرى لا تمت بصلة إليها، بل ذهبت أبعد من ذلك حين شددت على أنّ التطبيقات الرسمية الوحيدة المعتمدة هي   BaridiMob  و ECCP؛ في مسعى لحصر القنوات الرقمية المشروعة والتقليل من فرص الإنخداع، المؤسسة أكدت كذلك أنّها تحتفظ بحقها في ملاحقة المتورطين قضائيًا؛ إدراكًا منها أنّ حماية سمعتها الرقمية لا تقل أهمية عن حماية أرصدتها المالية،

ورغم أنّ أنظمة التشغيل الحديثة مثل Android  وiOS  قد أدرجت أدوات متقدمة للتصدي للرسائل المريبة ومنع التطبيقات غير الرسمية، إلاّ أنّ مثل هاته الآليات تظل عاجزة عن سدّ فراغ الوعي البشري إذا غاب، لتبقى اليقظة الفردية خط الدفاع الأول، فالمحتالون لا يستندون إلى تفوق تقني بقدر ما يراهنون على هشاشة الوعي، وهنا تبرز قيمة إجراءات بسيطة لكنّها جوهرية: التأكد من مصدر أي رسالة قبل التفاعل معها؛ تجنّب الروابط المجهولة؛ إستخدام تطبيقات الحماية على الهواتف؛ والإمتناع عن مشاركة البيانات الشخصية عبر الرسائل النصية،.

ما يضاعف من خطورة الظاهرة أنّ الجزائر ليست بمعزل عن موجة عالمية أوسع، فالرسائل الإحتيالية تستهدف مؤسسات مالية في شتى بقاع العالم بنفس الحيل تقريبًا، غير أنّ الثقل الإجتماعي والإقتصادي لبريد الجزائر يجعل الاستهداف أكثر حساسية، إذ إنّ أي اختراق واسع قد يترك أثرًا يتجاوزالفرد ليطال الثقة العامة في واحدة من أبرز مؤسسات الدولة،

وهكذا؛ تتبدّى خطورة التصيّد الاحتيالي في كونه حربًا نفسية بقدرما هو تهديد تقني؛ حرب تُدار بأدوات الهندسة الاجتماعية التي تحوّل الثقة الإنسانية إلى ثغرة مفتوحة، غير أنّ ما يضاعف فاعلية هذه الأساليب ليس عبقرية المجرمين؛ بل هشاشة الوعي الرقمي لدى الأفراد،

 الرسائل النصية الاحتيالية لن تختفي غدًا؛ بل ستزداد دهاءً مع مرور الوقت؛ ما لم يتحوّل الحذر الرقمي إلى ثقافة يومية؛ وما لم تُترجم تحذيرات المؤسسات كمؤسسة بريد الجزائر إلى سلوك وقائي فعلي عند المستخدمين، إنّ أكبر إخفاق ليس في تطوّر أساليب الإحتيال؛ بل في قابلية الضحايا لإعادة تمثيل المشهد ذاته كل مرة.

إعلام المواطنة: حين يصبح المواطن صحفيًا وشريكًا للأجهزة الأمنية في ملاحقة الجُناة – مقال محمد سبع

شاهد أيضاً

سميرة بيطام

سميرة بيطام: قطاع الصحة الجزائري النقائص في حبكة المساءلة القانونية

أخبار بلا حدود- بداية وقبل كل شيء أترحم على شهداء حافلة الحراش، رحمهم الله وأسكنهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!