جدل واسع حول المنشور الوزاري الجديد لتنظيم التوظيف في قطاع التربية

إجراءات التوظيف الجديدة تثير غضب أساتذة الليسانس
 

أخبار بلا حدود- أثار المنشور الوزاري المشترك الصادر، مؤخرًا، عن وزارتي التربية الوطنية والمالية والمديرية العامة للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، والمتعلق بتنظيم آليات التعاقد في قطاع التربية، موجة من الجدل بين أوساط المهتمين بالشأن التربوي، خاصة المتعاقدين منهم، حاملي الشهادات العليا، والمفتشين، ومديري المؤسسات التربوية بمختلف أطوارها العمومية منها والخاصة، لما تضمنه من بنود اعتبرها كثيرون بعيدة عما يعرف اصطلاحا بـ”العدالة الميدانية”.

وجاء ذلك خصوصًا على خلفية منح الأولوية في التوظيف لحاملي شهادتي الماستر والماجيستر على حساب شهادة الليسانس، رغم أن حاملي هذه الأخيرة لطالما شكلوا “النواة الأساسية”، للتدريس في الأطوار التعليمية الثلاثة، بحكم الخبرة المهنية التي اكتسبوها في الميدان كأساتذة مستخلفين على مناصب مالية مؤقتة أو متعاقدين على مناصب شاغرة.

وإلى ذلك، فقد تم تصنيف الأستاذ المتعاقد الذي لم “يثبت” في منصبه المالي في رتبة أعلى من الأستاذ المرسم حديثا، صاحب خبرة مهنية معتبرة في مجال الأستاذية، وهو ما قد يمس بمبدأ تكافؤ الفرص بين المربين.

كان يُفترض أن يأتي مثل هذا المنشور ليعزّز التوازن ويُنظّم الموارد البشرية بما يخدم مصلحة التلميذ والمدرسة الجزائرية، عن طريق اعتماد “المنطق التربوي” الذي ينبغي أن يحكم العملية التعليمية ويضمن كفاءتها واستقرارها.

إلا أن القراءة المتأنية لبعض بنوده تضع الجميع أمام عدة ملاحظات نقدية، تستحق التوقف والتحليل، من منطلق الحرص لا التجريح، ومن زاوية الإصلاح لا التهجم، وفق مختصين تحدثت إليهم “الشروق” في الملف.

  • شبه إقصاء لحاملي شهادة الليسانس

أولى الملاحظات المثيرة للجدل، هي الاستبعاد غير المعلن لحاملي شهادة الليسانس، والذين لطالما شكّلوا النواة الأساسية للتدريس في الأطوار التعليمية الثلاثة، ففي حين كان الأمل معقودًا على هذا المنشور لتمكين هذه الفئة من آلية توظيف عادلة ومستقرة، فوجئ الجميع بأن الأولوية أُعطيت لحاملي شهادتي الماستر والماجستير، بل وجرى تصنيفهم بشكل أعلى، دون مراعاة خبرات خريجي الليسانس أو سنوات عملهم في الميدان كمستخلفين ومتعاقدين، حسب مراقبين للشأن التربوي.

وهنا يُطرح التساؤل المشروع؟ ما مصير آلاف حاملي الليسانس الذين ظلّوا على مدار سنوات يشغلون مناصب فعلية في المؤسسات التربوية؟ هل يعقل أن يتحولوا فجأة إلى فئة لا يُعوَّل عليها؟ أليست الكفاءة هي معيار التوظيف كما تُصرّح به وزارة التربية في كل مناسبة؟ مثلما يتساءل المنتقدون للقرار.

  • تصنيف “غير متوازن” بين المتعاقدين والمرسّمين

المفارقة الثانية التي صدمت العديد من العاملين في القطاع، هي تصنيف الأستاذ المتعاقد في الرتبة 13 مباشرة، بينما لا يزال الأستاذ المرسّم الحامل لخبرة 4 سنوات أو أكثر قابعًا في الرتبة 12، وهي مفارقة إدارية مثيرة للدهشة والجدل، لأنها تخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة المهنية.

فكيف يُعقل أن يحصل متعاقد جديد، لم يُثبَت بعد في منصبه، على تصنيف أعلى من أستاذ قضى سنوات في القسم، واكتسب تجربة ميدانية موثّقة ومشهود لها؟ ألا يؤدي هذا التمييز إلى زرع بذور الإحباط وسط الأساتذة المرسمين، ويقوّض مبدأ التحفيز والاستقرار المهني؟ حسب المعترضين على فحوى المنشور الوزاري المشترك.

  • غياب خصوصية المناطق النائية والمدارس الخاصة

من الثغرات البارزة في المنشور الوزاري أيضًا، تجاهله التام لواقع الأساتذة العاملين في مناطق الظل، هؤلاء الذين يحملون عبء العمل في ظروف قاسية، ويفتقرون لأبسط الإمكانيات، وكان من المنطقي أن يُمنحوا أولوية خاصة أو امتيازات استثنائية، عرفانًا بعطائهم وتحفيزًا لاستمرارهم.

كما أن المدارس الخاصة، التي تُعد جزءًا من المنظومة التعليمية الوطنية، لم يُدرج أساتذتها ضمن أي بند، وكأنهم خارج التصنيف، وهذا إقصاء غير مبرر، خاصة أن العديد من خريجي الجامعات يعملون بها لاكتساب الخبرة المهنية، قبل الانتقال إلى التعليم العمومي.

  • الماجستير ليس وعاءً للتربية الوطنية

من الملاحظات التي لا يمكن تجاوزها، أن المنشور الجديد أوْلى حاملي شهادة الماجستير أولوية مطلقة في التوظيف، مع العلم أن هذه الشريحة مؤهلة أكثر للالتحاق بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وليس من المنطقي اعتبارها “خزانًا احتياطيًا” لقطاع التربية الوطنية.

فلا يمكن أن يُنظر إلى قطاع التربية كمجرد محطة مؤقتة لأصحاب الماجستير، بينما تُقصى كفاءات أخرى خبرتها التربوية تضرب في العمق، هذا ارتباك في التخطيط وخلط للأدوار، يُفقد العملية التربوية توازنها ويكرّس ثقافة “الوظيفة المؤقتة”، بدل الانتماء الدائم للمؤسسة.

  • غياب رؤية ميدانية حقيقية… أين دور المفتشية العامة؟

من الانتقادات الجوهرية التي وُجّهت للمنشور الوزاري، كونه لم يستند على تقارير المفتشية العامة للبيداغوجيا، رغم أن هذه الأخيرة تُعد الجهة الأكثر قربًا من الميدان، والأكثر قدرة على تقديم صورة واقعية عن احتياجات المؤسسات التربوية من حيث الموارد البشرية والكفاءات المطلوبة.

كيف يمكن إصدار منشور حاسم بهذا الحجم، دون الرجوع إلى المعطيات الميدانية؟ وأين هي اللجنة التقنية التي صاغت هذا المنشور؟

  • مطالب بالتعديل في شروط التوظيف قبيل الدخول

انطلاقًا من هذه الملاحظات الميدانية والموضوعية، يرفع أفراد الجماعة التربوية نداءً صريحًا إلى وزير التربية الوطنية، بضرورة إعادة النظر في مضمون هذا المنشور، وتعديله قبل الدخول المدرسي المقبل، حتى لا يتحوّل إلى مصدر توتر جديد، ويُدخل القطاع في دوامة من الطعون والنزاعات والتظلمات.

ينبغي أن يُفتح حوار وطني تشاركي، تشترك فيه النقابات المستقلة، وخبراء التربية، ومفتشو التعليم، من أجل بلورة صيغة أكثر توازنا وعدالة، تستوعب الواقع وتبني عليه، لا أن تتجاهله وتحلّق فوقه.

المنشور الوزاري الأخير، رغم ما قد يتضمنه من نوايا تنظيمية، إلا أنه كشف عن فجوة بين القرار المركزي والواقع الميداني، وعن غياب للعدالة المهنية والتخطيط البيداغوجي المتكامل، وعلى السلطات الوصية أن تدرك أن كسب ثقة الفاعلين التربويين يبدأ من احترام كفاءاتهم، وضمان حقوقهم، وتمكينهم من فرص متكافئة للتوظيف والتصنيف والتثبيت، من وجهة نظر المنتقدين.

لكن ما زال أمام الوزارة متّسع من الوقت لتصحيح المسار، وتدارك ما يمكن تداركه، قبل أن يُفتح عام دراسي جديد بألغام قديمة.

تفاصيل التوظيف التعاقدي للأساتذة في الجزائر 2025: شروط جديدة وتصنيفات حسب الشهادات

المصدر: الشروق أونلاين.

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

أمطار رعدية وحرارة قياسية ورياح قوية تمس هذه الولايات والسواحل اليوم الأحد

أمطار رعدية وحرارة قياسية ورياح قوية تمس هذه الولايات والسواحل اليوم الأحد

أخبار بلا حدود- نبهت مصالح الديوان الوطني للأرصاد الجوية في نشرية خاصة، الأحد، من تساقط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!