أخبار بلا حدود- في صباحٍ دافئ من أيام الربيع، حطّ الرحال في مدينة تلمسان رجلٌ فرنسيّ في العقد الثامن من عمره، يُدعى “السيد سارج Serge EM”، جاء يحمل قلبًا مفعمًا بالحنين وذاكرةً لا تزال تنبض بصور الطفولة.
المدينة التي ولد فيها والديه واخواته واجداده واخواله، لم تكن زيارته كأي زيارة عابرة، بل كانت رحلة العودة إلى الأصل، وهو من مواليد سنة 1942 بباريس وعاد مع اسرته وهو ذو الاربع سنوات في عام 1946حتى نهاية الخمسينات حيث كانت عائلته تقطن تلمسان، وسط المدينة (درب اليهود)، هو ووالديه وأخواته وجدته، أما بلدية أولاد الميمون فكان فيها أخواله وخالاته، مسقط راس اخواله وخالاته حيث كان لهم مخبزة هناك، والتي سكن فيها أخواله طيلة سنوات.
تلمسان لم تكن يومًا غريبة عنه، بل كانت تسكنه منذ الصغر، حيث يتذكر تلك الأزقة التي كان يسكنها هو وأسرته، وكان كل مرة يشدّه الحنين إلى مسقط رأسه، وإلى أصوات الأذان التي حفظها منذ الطفولة. عاش هو وأسرته وسط الأسر المسلمة، والجيران عاشوا في أمان، ثم عاد إلى فرنسا وهو في سن الأربع سنوات هو وأسرته، ولم يعد لتلمسان حتى يومنا هذا. في عام 2025 عاد، هذه المرة وفي قلبه شوقٌ كبير، وقد استُقبل بحفاوة وابتسامة صادقة في مكتب الديوان السياحي،
بتلمسان، حيث تولّيت استقباله بكل لطف واهتمام، ورافقته في جولات شملت معالم المدينة وتاريخها العريق.
زار قصر المشور وساحة أول نوفمبر، وسار في ظلال الجدران المزخرفة بالفن الأندلسي، وتعلّم عن عادات أهل المدينة وتقاليدها، وعبّر مرارًا عن إعجابه بالثقافة الغنية التي تتميز بها تلمسان، وعن الحب الذي يكنّه لهذه الأرض التي احتضنته صغيرًا.
من المحطات التي أثّرت فيه بشدة، زيارته إلى المقبرة، حيث دفِن اجداده، وقد حصل على تصريح من البلدية ليقف أمام قبورهم، كأنما يتحدث معهم بعد فراق طويل.
ثم زار بلدة أولاد ميمون، المدينة التي نشأ فيها أخواله وسكنت فيها عائلة والدته لسنوات طويلة. هناك، استعاد ذكرياته القديمة في كل ركن، خاصة حين زار الموقع الذي كان فيه المخبزة القديمة التي كانت ملكًا لأحد أخواله. وقد لاقى في أولاد ميمون استقبالًا طيبًا من السكان وبعض المسؤولين، الذين أبدوا احترامهم له وتقديرهم لتلك العلاقة العاطفية التي تجمعه بهذه الأرض.
وخلال جولته في البلدة، التقى برجلٍ مسنّ، كان شاهدًا على الحرب العالمية الثانية وحرب التحرير الجزائرية، فجلسا معًا يتبادلان أطراف الحديث. كان السيد سارج منصتًا بكل تواضع، أذنه صاغية، وعيناه تلمعان بالإعجاب والاحترام، وقد عبّر عن سعادته الكبيرة بهذا اللقاء الإنساني الصادق الذي لمس فيه عمق التاريخ ودفء القلب الجزائري.
وقد عبّر السيد سارج عن سعادته البالغة بالإقامة في فندق الزيانيين، وأشاد بحفاوة الاستقبال فيه، كما نوّه بالدور الكبير الذي قام به مكتب الديوان السياحي في استقباله وتهيئة برنامج زيارته، وقال مبتسمًا: “أينما ذهبت، وجدت الترحيب وكرم الضيافة، كأنني بين أهلي.”
وفي خضم حديثه، لم يخفِ تأثره العميق بالأخلاق التي لمسها عند الجزائريين، وأهل تلمسان على وجه الخصوص، فقد كبر بينهم، وعاش طفولته وسط المسلمين، مما جعله يحمل فهمًا عميقًا وصورة مشرقة عن الإسلام كدين للسلام والتسامح، وعن المسلمين كأناس يتحلّون بالأدب والأخلاق والتربية الحسنة.
إن من واجبنا، نحن أبناء الجزائر، ووفقًا لديننا وتقاليدنا العريقة، أن نستقبل السياح أيًّا كانت ديانتهم، بابتسامة دافئة وقلب مفتوح، وأن نُعرّفهم بجمال هذا الوطن وثقافته، خاصةً في مدينة مثل تلمسان، التي تمتاز بتراثها الحضاري والفني الغني، فحين يزورها السائح يشعر كأنه في حضن التاريخ، محاطًا بالسكينة والراحة.
كما عبر عن شعوره نحو الشعب الفلسطيني قائلًا: أُعبّر عن تضامني مع الشعب الفلسطيني، لأني أعتقد أننا يجب أن نتّحد جميعًا كي يتوقف هذا الشعب عن المعاناة ويتمكّن من العيش في سلام وحرية مع جميع جيرانه. أُعبّر عن تضامني الكامل مع الشعب الفلسطيني كي ينال الاستقلال، وحقه في العيش بسلام مع جميع جيرانه. وأود أن أؤكد، كما أشرت منذ البداية، أن استقبال الجزائريين الذين التقيت بهم كان استقبالًا مفعمًا بالأخوة واللطف والاعتراف بالآخر. وأخصّ بالشكر الاستقبال الذي حظيتُ به من طرف ابن مكتب الديوان السياحي بتلمسان، الذي قدّم لي عملًا رائعًا بمساعدتي على استكشاف كل تلك الجذور المدفونة في أرض تلمسان.
وقال السيد سارج ايضا: ينبغي على الحكومة الفرنسية أن تدرك جيدًا عظمة الجزائر، بثقافتها العريقة، وشعبها الأبي، وكرامتها الراسخة، ودينها السمح.
وقال إنه لا ينسى مدينة تلمسان أبدًا، حيث ترعرع فيها انها المدينة التي ولد فيها اجداده واخواله وخالاته، وفيها دُفن أجداده، وهي في قلبه مدينة الثقافة والفن والأصالة والناس الطيبين.
كما عبّر عن امتنانه العميق لمكتب الديوان السياحي، ووجّه لنا شكره الكبير على حسن الاستقبال وروعة التعامل، الذي يعكس وجه الجزائر الحقيقي.
وهكذا، غادر السيد سارج تلمسان وهو يحمل بين ضلوعه صورًا لا تُنسى، وذكرياتٍ أحيت فيه ما كان نائمًا في عمق الوجدان. وعد بأنه سيعود مجددًا، لأن تلمسان، بالنسبة له، ليست مجرد مدينة، بل وطنٌ صغير في قلبه… لا يغادره أبدًا.
إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.