سميرة بيطام: طلبوا منا أن ندافع عن الوطن لكن لم يعطونا المفاتيح

سميرة بيطام
 

أخبار بلا حدود- ككل سنة يحتفل الجزائريون بذكرى عزيزة على قلوبهم، انها ذكرى  أول نوفمبر المظفرة، وفيها تقام بالمناسبة احتفالات متنوعة تضم شرائح عديدة من المجتمع ، سواء من السلك الأمني أو العسكري أو المدني، وبالمناسبة دائما ، أعتز كوني ابنة مجاهد ومن عائلة ثورية خلفا عن سلف، وكفاحي لا يزال مستمرا وقد أديت نصفه في قطاع الصحة وبقلمي الذي يكتب بعد أن أتابع بنفسي الأحداث الوطنية والدولية ، ليقوم قلمي بعدها بإفراغ دلو قناعتي الشخصية بلا املاءات من أحد ولا توجيه من أي كان ، بل  بما جادت به مشاعري وأحاسيسي وبما أفرزته ضوابط الصرامة  في قناعتي التي أتحلى بها نظاما حياتيا لا يميل حيث تهب الرياح ، بل هي قوامة انتماء ثابت لم يتغير تحت أي ظرف كان ولن يتغير بإذن الله حتى ألقاه عز وجل وألتحق بمن سبقوني في الكفاح ..

حضوري لم يكن لافتا إعلاميا على شاشات التلفزيون ،ولا وسط أضواء الكاميرات وهرج الندوات واللقاءات، فأنا حاضرة بروحي وفكري الذي يصول ويجول ويتفحص واقع الأمة بكثير من التخمين والحيرة والقلق  لما سجلته هذه الأمة من انتكاسات وتخاذل في الوطن العربي،  لكن هذا لم ينقص من يقيني ان بلدي يتمتع بالكثير من المزايا والفرص التي تؤهله لأن يكون نورا مشرقا يضيء المعمورة قاطبة،  ولهذا لم تتغير وطنيتي ولا درجة حبي لبلدي ولم ينقص من ذلك  شيء، بالعكس صدى الحق لا يزال يصدع مني قلبا وقالبا، قلبا بذاك الثبات على المبادئ والقيم التي دفعت للحفاظ عليها فاتورة غالية جدا ، وأعتبره عربون تضحية ولا أزكي نفسي شيء مما قدمته ، لأنه لا يساوي شيئا أمام تضحيات جيل نوفمبر الخالد، وقالبا هو عنوان الرسالة التي كلفنا الله بها وهي الدفاع عن الدين والوطن.

بنت مجاهد أي نعم، ومن عائلة ثورية، أي نعم ،لكن  فارق التضحية بيني وبين الفروع الشجرية التي أنتمي اليها هي عميقة الجذور ، فلو قلت أن الوراثة ليست فقط في ملامح السلالة الخلقية وطبائع السلوك والتوجه عقيدة ومبدأ، بل في نسق التضحية أيضا ،بمعنى أننا لا نبيع ولا نشتري حين يتعلق الأمر بثوابت وطن قام على سيل جاري من الدماء الزكية التي فرضت على فرنسا أن تفهم أن ما بين الجزائر وفرنسا هو شلالات من الدماء الطاهرة، ولا أستغرب أن نقدم التضحية كتكملة لمسار الشهداء كضريبة، يعني علي انا شخصيا وعلى من يقربني في الانتماء أن يعي  جيدا أن لا تعليق يكتب أو يقدم حين نضحي من أجل هذا الوطن، ولا نفاخر او نزايد على أحد ، لأن وسم التضحية معروف ، هو النفس والنفيس وكل ما يملكه المضحي  ، لكني ككاتبة وباحثة أكاديمية ومتابعة لتواتر الأحداث بسرعة رهيبة ،أستطيع أن أقول  أن الذين أقرأ لهم اليوم وهم يحثون الشعب الجزائري على حب الوطن والدفاع عنه ومفاتيح هذا الدفاع لم تقدم لهم من باب الثقة لفتح أبواب الخلاص للجزائر التي نحلم بها عروس العالم وليس سيدة البحر الأبيض المتوسط وفقط، ما يطرح  سؤالا احول  ما اذا كانت ثمة حلقة مفقودة بين جيل الأمس وجيل اليوم ، جيل اليوم الذي هو على أتم الاستعداد لأن يخوض غمار طوفان التغيير العالمي..ولكن كيف وبماذا ، هذا هو السؤال الجوهري .

صدقا وصراحة ممزوجة بعربون  احترام وتقدير لما قدمه شهدائنا فداء لهذا الوطن ، أرى أن تضحيات اليوم لا تصل قيمتها لتضحيات الأمس ، ولو أن الجيل الجزائري اليوم لديه طفرات وراثية في جيناته تملي عليه ان يكون متأهبا ومستعدا للتصدي لأي عدوان قد يمس الجزائر لا سمح الله، ودائما على رأس قلمي الذي أكتب به أردد عبارة لا سمح الله ، خوفا على وطن نحبه بل نعشقه ونتمنى أن يرتقي كل يوم لا كل سنة ، نتمنى أن يتحضر مع كل نية لا مع كل برنامج حكومي أو تحديدا مع خرجة وزير لتدشين مشاريع أو لتفقد أحوال مرضى أو تجار أو أساتذة ..نريد المزيد ولكن بصورة أوضح وأكثر شفافية.

أحلل بيني وبين نفسي  كلاما يكتب وينشر هنا وهناك على ضرورة الالتفاف حول الوطن وعناصر تابعة للوطن ، لكن لم تشرح آليات هذا الالتفاف، يعني هل المطلوب أن نعلن حبنا للبلد كتابة وأرقاما ونسبا مئوية أم أنه يجب أن نكون مستعدين لأي طارئ وانتهى الأمر..

بصراحة وفي برنامج  الدول المتطورة ،  كان التركيز من قادة هذه الدول على الاستثمار في الانسان كأول ركائز التقدم والنمو، ومن بعدها تشجيع الكفاءة والنخب المميزة والمبدعة والقادرة على القيادة وترميم ما يمكن ترميمه، كما أن سعي سياسات هذه الدول كان يرتكز على قطاعات حساسة عليها يتوقف مصير نمو وتربية وصحة أجيال هما قطاع الصحة والتعليم ، فاذا كان مفهوم الحب للوطن والدفاع عنه كما يريده البعض منا هو أن نحتمي خلف الكلمة درعا واقيا لكل من يوجه لنا سهامه ناقدا أو متعديا ، أم أنه وبصريح العبارة أننا نحب الوطن ونكتفي بأن نعلن صراحة أن قيمنا وثوابتنا لم تتغير، فهذا ليس كاف أمام كوم من التحولات  وسيرورة سريعة للزمن لا ترحم ، فلا نكاد نحصي أيام الأسبوع ، حتى بات اليوم من الأسبوع كأنه ساعة، ومواقع القلاع للدفاع عن الوطن لم تحصن جيدا بعقيدة سمحة رزينة وموزونة ، انطلاقا من فكرة أن يتغير كل واحد منا في نفسه وبيته وشارعه ومع جيرانه، والتي نخشى أن  تبقى محصورة أن العقل الجزائري يفكر يمنطق أن يمر اليوم بلا مشاكل ولا عراقيل، في حين أن التحديات العالمية ثقيلة المضمون ، صعبة الاحتواء ،جادة التحدي لما هو أمامها من غنائم وثروات ومساحات جغرافية ،  لأنها تيار مار على جميع الدول السائرة في النمو أو التي تبنت مؤخرا برنامج التحضر وبوتيرة بطيئة نوعا ما مراعاة لكثافة التقدم لدى  الدول الأخرى، لكن وبمنطق المراجع لتاريخ الأمم التي نهضت من غفلتها تكون  العبرة بأن التقدم جاء بتطبيق معاني الكفاح والصمود والنضال التي تشبع بها الشعب الجزائري الأبي ، حتى أن الشعوب الأخرى بالأمس  استلهمت  الفكرة وراء الفكرة من قوة شموخ عقل جزائري يرفض أن يمس شبر من بلده  بسوء، لكن بأي طريقة سيتم احاطة هذا الوطن بالحماية ومفاتيح الضغط على الزناد غير ممنوحة حاليا لأهل الاختصاص ؟ ، ومن أقصدهم بأهل الاختصاص ، هم أهل الحكمة والمثابرة والجد والصرامة والرزانة ومن له خبرة ميدانية وحياتية في محاكاة واقع الحياة بالكثير من الصبر والتريث، ثم الأوطان لا تبنى بالتمني أو بالأوامر أو الطلبات ، انما تبنى انطلاقا من فكرة وعي وحضارة سلوك ورزانة قرار، ابتداء من عتبة  باب كل واحد منا ،في أن يحرص على نظافة بيته من الداخل والخارج ، وترتيب لوازمه التي يحتاجها وترتيب الأفكار في عقله وتحديد الأهداف ومد جسور التعاون بين أفراد الوطن في التكفل المشبع بالإيمان والتضامن مع الفئات الهشة من المجتمع ، والتي لا يجب تحييدها بأي حجة كانت.

أعتقد أن حب الوطن ليس شعور وكلام فقط ، بل هو مسؤولية وأمانة ، يجب أن يستلم المحب لوطنه مفاتيح صناعة المجد والنجاح والتفوق من قلب الميدان وليس من خلف الشاشات أو على  أوراق الكتابة ينسكب عليها المداد أبياتا وأقوالا ،  والتي قد تمتلأ عن آخرها تلكم الصفحات بالحروف ، لكن دون تحقيق للأهداف.

ان ما نشعر به اليوم ، هو نوع من الفراغ والتباعد بين من يقدم الطلب وبين من يستقبل هذا الطلب، يعني ثمة فجوة لم تفسر بعد معالمها ، ولم تفهم بعد الغاية من وجودها ومن أوجدها أصلا، لأن الدفاع عن الوطن لا يجب أن يكون منحصرا فقط في جيشنا الباسل ، بل في قلب كل وطني غيور على وطنه بأن يستلم أوراق اعتماد كمضحي حقيقي وفي الميدان، أما أن تهمش النخب النزيهة وتترك لٌأقدار الزمن علها تتعافى  من نكستها، فهذا أعتبره خطأ فادح في حق هذه النخب ، بل جريمة تُرتكب في جزائر الشهداء ، فالالتفات نحو الصدى الذي ينبع من ارادات تهيئنا لما هو قادم، انما هو تمويه بأن الكل قادر على حماية الوطن ، ووحده الله من يعلم من سيبقى في الصفوف الأمامية ليدافع عن الوطن ومن سيفر من الزحف لو حصل أي تعدي عليه…طبعا لا سمح الله.

سميرة بيطام: التغيير في قطاع الصحة…مسألة تغيير وزير أم استراتيجية عمل؟

الأستاذة: سميرة بيطام

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

سميرة بيطام

سميرة بيطام: مسارات في قطاع الصحة الجزائري – الخاطىء والصواب منه

أخبار بلا حدود- أيا كانت اهتمامات وزراء الصحة عبر العالم في تحسين القطاع الذين ينتمون  …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!