سميرة بيطام: مسارات في قطاع الصحة الجزائري – الخاطىء والصواب منه

سميرة بيطام
 

أخبار بلا حدود- أيا كانت اهتمامات وزراء الصحة عبر العالم في تحسين القطاع الذين ينتمون  اليه، وأيا كانت السياسات المتبعة من أجل رفع مستوى الآداء للمنظومات الصحية، وأيا كان مستوى تطلع الشعوب في ممثليهم من المسؤولين من أجل  تحقيق أمانيهم في أن يرتادوا مستشفيات تقدم الخدمة العلاجية وبجودة مقبولة ، يبقى قطاع الصحة على محك البحث والتنظير والتحليل والنقد ولما لا اقتراح الحلول البديلة لرفع مستوى  الجودة في هذا القطاع الإنساني بالدرجة الأولى.

فعلى حقبات زمنية بعيدة،  ألقى بعض السياسيين والمهتمين بالشان الصحي بضلال أقلامه  على صفحات المواجهة والشفافية لتكتب أفكارهم ومشاريع طموحاتهم التي لم تخلو من المغامرة وحب الاطلاع  والكشف  في عمق عن القضايا التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بمجال الصحة، وقد كان  لوزيرة الصحة الفرنسية سيمون فال  في حكومة فاليري جيسكار التي تقلدت المنصب سنة 1974 ، انطلاقة مميزة كانت حافلة بالمخاطر والصعوبات بحسب ما كانت تكتب عنه وتقر به من  حقائق ، الا أنها جسدت نموذج المنصب الوزاري الذي لا يقبل المساومات للتراجع  للوراء بمقابل تنازل عن قناعتها التي كانت تؤمن بها بما يتوافق وانتمائها لطبقة البسطاء، والتي جسدت الدور الحقيقي في معانانتها مع الاضطهاد وقت النازية ، ولكن  هذا كان حافزا لأن تصبح سيمون فال امرأة من القرن العشرين كما يفضل البعض تسميتها، فما هو رصيدها في الصحة وكيف كانت الإضافات في مشاريع القوانين المرتبطة بالمنظومة الصحية وقتها عبر مساراتها الطويلة؟.

يعد انتقال سيمون فال الى رئاسة البرلمان الأوروبي انتقالا مضمونا على خلفية ما قدمته في قطاعها، والذي  كان له الأثر  الكبير في رسم الخطط العريضة للصحة عبرمقترحات أعمال تشريعية، الهدف منها  هو تحسين ظروف العمل ، وكانت انطلاقتها بدء بالدفاع عن حقوق المرآة، وهنا يعود بنا التخمين الى أساس تسمية وزارة الصحة الجزائرية التي انطلقت في بداياتها من وزارة التشغيل والعمل والتضامن في التسعينيات ، ثم تغير الاسم الى وزارة الأسرة التضامن الوطني والأسرة ، ثم تحولت التسمية الى وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات وصولا الى تسمية وزارة الصحة، وقد يكون في تغيير واختزال كلمات هذه التسميات التحول المرحلي في طبيعة نشاط الوزارة وكذا الأهداف التي أُُنشأت لأجلها .

وموازاة مع ما تميزت به مسيرة سيمون فال هو اشتهارها بالقانون الذي يحلم اسمها : قانون فال الخاص بالاجهاض ، حيث ورغم المعارضات الشديدة لها، الا أنها تمسكت به الى أن صادق عليه النواب الفرنسيون سنة 1975، هذا المثال يوضح طبيعة  نضالها في ترسيم القانون واعتماده مهما كانت النتائج، وبالموازاة في منظومتنا الصحية ، لم تكن ثمة أقلام كثيرة تبحث في صيغة ملائمة للذهنية الجزائرية والتي تتوافق مع  قيمها ومبادئها في أن تُطور من قطاع الصحة الذي كان للاستعمار الفرنسي الأثر الكبير في بقائه بلا صيغ جديدة لمشاريع قوانين تنبثق من قناعة مستخدمي القطاع بالدرجة الأولى والتي ارتبطت أساسا بما يريده الشعب أو المواطن في صيغة المستقبل الحكيم والنابغ بقضايا من يمثلونه سواء تحت قبة البرلمان أو على مستوى الوزارات، وليس حكرا على وزارة الصحة فقط.

ونذكر في الصدد نفسه ، الى أنه  تداول على منصب وزير في قطاع الصحة شخصيات عديدة، وكل واحد منها كانت له طريقته في التمثيل الإداري والتقني في آن واحد ، كونه قطاع مبني على مسائل علمية وإدارية وتشريعية بحتة ، لا يمكن لأي منها أن يتملص عن الآخر بدعوى التفرد تحت لواء منظومة صحية لا زالت الى يومنا هذا تتطلع نحو الأفضل ، وهو ما تم رصده من خلال الأنشطة التي تتحرك من خلالها وزارة الصحة أو عبر  مدراء المستشفيات الذين يمثلون قرارات الوزارة بما تتم ملاحظته  من عجز  أو قلة التأطير للعامل البشري أو ندرة التخصصات الطبية  بسبب نقص المورد البشري كمشكل لا يزال قائما وترافع لأجله مناطق الجنوب بشكل دوري.

ولكن ، هناي تم طرح سؤال جوهري: هل كانت لمسارات قطاع الصحة الجزائري المنهجية الصحيحة والملائمة لرغبات الساكنة في أي ولاية أو في أي حيز مساحي من خريطة الجزائر؟، وهل تبنى وزراء الصحة استراتيجيات كفيلة بأن تقلل من معاناة المرضى المقبلين على المستشفيات وحتى المواطنين الذي يتابعون النشاط الصحي سواء من خلال الاعلام أو من خلال ما يتابعونه على منصات التواصل الاجتماعي، وهل اقتنع المواطنون بصيغة المتسائلين عما اذا كان قطاع الصحة قد تجاوز فعلا تلك العراقيل والصعوبات القديمة من سلوكات العنف والرداءة في العمل وكذا الابتعاد كلية عن مجاراة المسؤولية  بضمير حي، يشترط في الالتزام بها شروطا معينة تحددها الأخلاق وطبيعة الانتماء لهذا القطاع الإنساني الهام؟.

طالعت في السياق ذاته من اجل إيجاد واجابة وافية  منذ أيام بحثا لبوشلاغم عميروش وشرفي منصف عن واقع آفاق المنظومة الصحية في الجزائر ، وقد تقدم بطرح إشكالية مهمة عن الاختلالات وآفاق المنظومة الصحية الوطنية في ظل التحولات الراهنة ، وكان لسياق بحثه ما يعطي في الأخير إجابة عن هذا التساؤل المهم، حينما عرض جملة من التحديات التي تواجه الإصلاحات وذكر منها ضرورة تسيير استراتيجيات الفاعلين في الصحة من نقابات ومدراء ومقدمي الخدمات ومسيري الضمان الاجتماعي على أساس الخدمة المقدمة والاقناع المحقق والمثبت ، وهذا الطرح لو قمنا بالإسقاط على ما تبتنه وزيرة الصحة الفرنسية السابقة سيمون فال بما يُعرف بقانون فال نجد أن الاختلاف في توفر الإرادة الفاعلة في احداث التغيير عن طريق تبني نصوص قانونية تتلائم وطبيعة عادات وتوجهات المجتمع وليس يما يحدثه فارق الاقصاء  أو اللانصاف لكل من يملك إرادة فاعلة نحو العمل  كعنصر لا يحقق اغلب الطموحات المتبناة  في منح الحقوق لجميع شرائح المنتسبين للقطاع بلا تمييز ، الا ما تستوجبه طبيعة الرتبة والدرجة العلمة المتحصل عليها، ولكن يبقى التطبيق المثبت والصريح أحد أهم الآليات المستخدمة لتبني المسار الصحيح  لتحسين الآداء في المنظومة الصحية .

فما يعيب بعض المسارات التي تم اعتمادها في تاريخ الصحة الجزائرية، نجد طول مدة الرداءة التي اتسمت بها ملامح العمل داخل المستشفيات لحقبة زمنية بدأت وتيرتها منذ الاستقلال ، ربما كانطلاقة كشفت المستور حين تولت نفيسة حمود كأول امرأة جزائرية حقيبة وزيرة الصحة  في الجزائر  في حكومة غزالي سنة 1991 سنة ، معتمدة في ذلك على مسار يحارب الفساد في وزارتها كمنطلق مهني لما تتطلبه المنظومة الصحية لكي ترتقي نحو الأفضل، ولكن المسار انتهى في وقت مبكر لأسباب معروفة أو غير معروفة ، ما يضع مسارات الإصلاح على محك احتمالية النجاح أو الإخفاق ، وهو بالفعل ما تميزت به مسارات وزراء تعاقبوا على الوزارة بعد نفيسة حمود ، ولهذا تميزت مسارات الإصلاح في الصحة يما يراه البعض خاطئا وبما يقتنع به البعض الآخر من أنه صوابا ولو بدى قليلا.

فأيا كانت الرؤى المتنوعة نحو مسارات الإصلاح في قطاع الصحة، جدير أن يتم شرح فكرة الإصلاح بالنظر الى الكم الهائل من الإمكانيات والمشاريع والأفكار وآليات التحديث وكذا التجديد، كتلك التي اعتمدها بعض الوزراء  بحسب ما وجدوه من ظروف متاحة في العمل ومنهم  الوزير الأسبق الراحل البروفيسور يحي قيدوم وبشهادات من تعلموا على يديه ومن بينهم وزير الصحة الأسبق عبد الرحمان بن يوزيد  ، كما يذكر البعض من مقربيه  أنه كان من بين الصفات التي تميز بها هو اقترابه من فئة الفقراء وتفضليهم في العلاج على غيرهم من الفئات التي حالها ميسور ، وبالرغم من كونه وزيرا  الا أنه كان مواضبا على اجراء العمليات الجراحية بمستشفى الدويرة  بصفة تطوعية،وهو ما يوضح الجانب الإنساني النبيل  وكذا الإخلاص الذي تميز به كقامة كبيرة ورجلا خدوما في مجال جراحة العظام في الجزائر وفي قطاع الصحة بصفة عامة.

فطبيعة المسارات التي يتبناها وزراء الصحة متنوعة تعود لقناعة كل وزير والمجال لا يسع لذكر خصال من حملوا الحقيبة في القطاع،  ولكن ما يهم هو :

هل مسارات العمل في قطاع الصحة الجزائري تبنت نفس الحماس والإصرار والإرادة  الفاعلة التي تبناها وزراء الصحة في دول أخرى، ليس للمقاربة بين السياسة المتبعة في تسيير المنظومة الصحية ،ولكن لجس النبض عن مستوى الصرامة والإخلاص والعمل الحثيث  بما يخدم الوطن كعملة حقيقية لمدى يقظة الضمير المهني وبما يخدم المريض كانعكاس للجانب الإنساني على العلاقات التي تمثل الجسر الممتد بين المسؤول في وزارة الصحة وبين المريض، وهي طبعا مسارات لا تزال مستمرة وكل بحسب تصوره واعتقاده في اتباع أيسر الطرق وأكثرها ضمانا للنجاح  بما تتضمنه من عراقيل سواء كانت روتينية او مفتعلة،  وبعيدا عن المشاكل سواء كانت مهمة  أو غير مهمة وبعيدا عن عنصر الرداءة الذي ألفه البعض كتغطية عن العجز الذي يفتقده الكثيرون عند آدائهم  لواجبهم المهني . وهنا لابد من وقفة صريحة على ما تتطلبه المرحلة الراهنة من مواجهة للتحديات التي هي في أساسها قائمة  تلقائيا ، وما ينتظرنا من تحديات أخرى تدخل في اطار تأثير التحول الجيوسياسي الذي يستوجب ضمان الأمن الصحي بمفهومه الشامل وبأقل أخطاء في المسارات المتبعة في القطاع الصحي. فاذا كانت سيمون فال تنتقد كل ما يعادي القيم التي كانت تؤمن بها وهو ما منحها عبر مسيرة ثرية من العمل  رخصة  دخول الأكاديمية الفرنسية كامرأة عاشرة منذ نشأتها سنة 1635، على حافة سيفها الأكاديمي رقم 78651 وهو نفسه الرقم الذي كان منقوشا على ذراها عندما كانت سجينة في معتقل “أوشفيتز” النازي.

فهل نملك نموذجا صلبا ومخلصا وصارما ومكافحا في نماذجنا الجزائرية من يرسمون مسارات عملهم بكل ما تمليه عليهم قيمهم ومبادئهم الأخلاقية التي يستمدون مضمون وفحوى الشجاعة والجرأة من مرجعية دينية ثابتة  تترجم حقا مدى حب الوطن ومدى قيمة أمانة الشهداء التي تتطلع كل يوم لإيجاد قائمة من الكادحين الذي حقا تعول عليهم الجزائر نحو نهضة أكيدة وراقية ، وهو ما سيجعل التاريخ حتما يكتب عن تلك المسارات التي حتى وان كانت خائطة بما تمثله من هفوات مهنية  الا أنه تم تصحيحها بنية عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى، لأن المسألة لا تتعلق بآداء شخص الوزير  بقدر ما هي بكيفية الحفاظ على أمانة الأجيال التي يجب أن تُصان بأدق فصول الثوابت المستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية كون الإسلام دين الدولة وبنص دستوري، والذي هو الحد الفاصل بين الخطأ والصواب في أن يقل تكرار الخطأ بهدف تبني الصواب نحو  منظومة صحية راقية.

سميرة بيطام: دخول اجتماعي جديد على الأبواب.. ماذا عن قطاع الصحة ؟

الأستاذة: سميرة بيطام

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

سبع محمد

جامعة إبن خلدون بتيارت… حبرٌ يمشي على الأرض، يخطّ للعلم دُروبًا وللتنمية أفقًا – مقال محمد سبع

أخبار بلا حدود- ذات خريف من سنة 1980؛ وُلدت بذرة علم في تراب تيارت؛ لا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!