أخبار عاجلة

في غياب إزدواجية الطرق في فرندة: التنمية تمشي على مسلك أحادي… والحوادث تسبقها بخطوات دامية – مقال محمد سبع

سبع محمد
 

أخبار بلا حدود- تكمن الأهمية الإستراتيجية لفرندة في كونها نقطة إلتقاء لمفترقات الطرق الجغرافية والتاريخية؛ مدينة تتوسد الذاكرة الوطنية من جهة؛ وتُطوّقها هشاشة البنية التحتية من جهة أخرى، فهي ليست مجرد بلدة نائية على هامش الخرائط، بل عقدة مواصلات مرّ عبرها الغزاة والتجار؛ وإستقرّت فيها الحضارات وإستغلّها الاستعمار كثكنة ومركز تحكّم، ورغم كل هذا الزخم؛ ما تزال فرندة محاصرة داخل نُسخة واحدة من الطريق؛ تسير فيها المركبات على إسفلت ضيق ومرقّع، يلفظ السيارات كما يلفظ البحر زورقًا مثقوبًا،

الطريق الوطني رقم 14 والطريق الولائي رقم 02؛ شرايين الحياة التي يُفترض أن تنبض فيها حركة البشر والبضائع؛ باتت اليوم عُروقًا مجهدة؛ لا تقوى على حمل الزخم المروري المتصاعد ولا تجيد غير إنتاج الزحام والحوادث، للطريق الوطني شطران أساسيان يربطان فرندة بالعالم الخارجي، الأوّل يمتد نحو مركز ولاية تيارت على مسافة 48كم ومنها إلى الجزائر العاصمة عبر بوابة تيسمسيلت والبليدة؛ والثاني في الإتجّاه المعاكس نحو بلدية تخمارت على مسافة 38 كم؛ لا يبدو الطريق أحسن حالًا؛ فرغم إعتباره المنفذ الوحيد نحو معسكر ووهران وسعيدة؛ لا يزال يئن تحت ثقل الشاحنات؛ طريقان إستراتيجيان بقيمة وطنية؛ لكنهما عالقان في متاهة النسيان؛ دون توسعة؛ دون إزدواجية،

تزداد الصورة قتامة؛ حين نمرّ على الطرق التي تربط فرندة ببلديات عين كرمس ومدريسة ومدروسة وسيدي بختي، طرق ضيقة؛ معطوبة؛ فحين تُذكر الأرقام؛ تصبح الصورة أكثر حدة: 22 كيلومترا تفصل فرندة عن عين كرمس؛ 26 عن مدريسة؛ و24 فقط عن مدروسة، كلها مسافات قصيرة تقنيًا؛ لكنها طويلة عمليًا، هذا الإختناق البنيوي يُطفئ كل إمكانية لحركة اقتصادية نشطة؛ ويحوّل المنطقة إلى جزيرة معزولة وسط اليابسة؛ كما لو أن عروقها مقطوعة في جسد بلا دورة دموية، تلك المسافات التي تبدو بسيطة على الخريطة؛ تتحوّل بفعل غياب الطرق المزدوجة إلى رحلات شاقة يومية؛ تُستهلك فيها الأعصاب والوقود؛ ويُدفع ثمنها أحيانًا من الأرواح، فازدواجية  هاته الطرق لا تعني فقط راحة في التنقل؛ بل تعني وصول شاحنات التموين؛ والحافلات المدرسية؛ وسيارات الإسعاف؛ وتعني إنتعاش الأسواق وربح الوقت وحماية الأنفس،

القطيعة تتجسّد بوضوح في الطريق المؤدي إلى محطة القطار؛ تلك التي تبعد فقط 15 كلم عن المدينة؛ لكنها في غياب الطريق المزدوج تشبه الخطوة التي لا تصل، والمسافة التي تطول بلا معنى، محطة يفترض بها أن تكون رمز الربط والانفتاح؛ تحوّلت إلى نقطة تقف على أطراف الخريطة لا في وسطها،

إزدواجية الطرق ليست مجرد توسعة في الإسفلت؛ بل هي كسر لعزلة طويلة وتنفس لمدينة أنهكها الضيق والتهميش؛ وإستعادة لدور محوري لطالما إضطلعت به فرندة عبر التاريخ؛ كحلقة وصل وبوابة عبور نحو الصحراء، فالمواقع التاريخية التي تزخر بها المنطقة؛ من مغارة إبن خلدون إلى سبيبة وأهرامات الأجدار؛ تبقى طي النسيان؛ لا لأنّ قيمتها طُمست؛ بل لأنّ الطريق إليها أقسى من المسافة نفسها،

أمّا مشهد الحوادث، فهو تكرار مأساوي لا يعرف نهاية؛  خاصة في النقاط السوداء المعروفة مثل المعايزية والمخرف، التي تحولتا إلى فخ دائم للمركبات؛ فالأرواح لا تُعد بمرور الزمن؛ بل تُحذف من الوجود بصمت قاتل؛ وكأنّ الطريق قرّر أن يكون مقصلة لا ممرًا، فالتجاوزات الخطيرة والسرعة غير المضبوطة؛ كلها نتائج مباشرة لغياب طريق مزدوج آمن، وغياب الإزدواجية لا يعني فقط ضيق المسلك؛ بل يعني غياب التنظيم وخللًا في الرؤية؛ فالطرق ليست لعجلات المركبات فقط، بل لعقول التخطيط أيضًا،

فرندة ليست على الهامش؛ بل في مركز خريطة مهمة: تحدها ولايات سعيدة ومعسكر وتيارت؛ وتشرف على الطريق المؤدي إلى الصحراء نحو البيض، هذا الامتداد الجغرافي يجب أن يقابله إمتداد في البنية الطرقية؛ لا أن تبقى المدينة مخنوقة داخل مسارٍ ضيق ومحصورة في دائرة إدارية بلا أفق عمراني،

الإزدواجية في الطرق ليست رفاهية حضرية؛ بل هي إختصار للمسافة بين العزلة والتنمية؛ بين التأخر والتقدم، إنّ مدينة بوزن فرندة لا يليق بها أن تظل تنتظر على أرصفة النسيان؛ بل تستحق أن تُفتح أمامها كل المسارات؛ وأن تنهض من كونها ممرًا مرهقًا إلى مركز حيوي نابض ضمن شبكة طرق عصرية وآمنة؛ فالأمر لم يعد مجرد مطلب شعبي، بل بات حاجة وطنية مُلحّة تفرضها ضرورات التنمية.

أماكن الترفيه في فرندة… أحلامٌ تعكّرها ضوضاء المقاهي – مقال محمد سبع

محمد سبع – الجزائر

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

سبع محمد

أماكن الترفيه في فرندة… أحلامٌ تعكّرها ضوضاء المقاهي – مقال محمد سبع

أخبار بلا حدود- في قلب الجزائر العتيقة؛ هناك مدينة تسمّى فرندة؛ لكنّها أشبه بلوحة بريشة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!