الملعب البلدي بفرندة يُحتضر – مقال محمد سبع

سبع محمد
 

أخبار بلا حدود- من كان يصدق أن الملعب البلدي الشهيد سعيدي الجيلالي، الذي كان يومًا منارة رياضية تناغمت فيها الأقدام وتلاحمت فيها القلوب، سيتحوّل إلى “مكب نفايات بمدرجات مهددة بالسقوط”؟ من كان يصدق أن الملعب الذي احتضن في يوم من الأيام أمجاد الفريق المحلي ودورات الأحياء الكروية، سيصبح اليوم صالحًا لكل شيء عدا كرة القدم؟

هذا المرفق الرياضي، الذي يُعدّ من أقدم الملاعب على مستوى البلدية، لطالما احتضن مناسبات رياضية متعدّدة، مخلّفًا وراءه ذاكرة جماعية نابضة بالحياة والانتماء، فقد كان فضاءً ملهمًا للأجيال المتعاقبة، قبل أن تحكم عليه سنوات الإهمال بالتحوّل إلى مساحة متآكلة تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات التقنية والإنسانية، منشأة كانت شاهدة على لحظات تاريخية لفريق المدينة، وعلى حماس جماهيري استثنائي، تحوّلت اليوم إلى رماد رياضي.

حيث أصبحت الأرضية القاسية، لا تصلح حتى للتدريبات الفردية. يتعذر على الفرق المحلية تنظيم لقاءات ودية، أو خوض حصصهم التدريبية، في ظل الخطر المحدق الذي تفرضه وضعية الملعب الحالية، ليس الحديث هنا عن ملعب من الجيل الرابع، بل عن مساحة ترابية مفتوحة تفتقد لأبسط شروط السلامة.

المدرجات القديمة، التي كانت ذات يوم تضجّ بهتافات الأنصار، أصبحت الآن هياكل آيلة للسقوط، ولا تستجيب لأي معيار هندسي أو إنشائي معتمد، المرافق الحيوية من غرف تبديل، مراحض، وفضاءات راحة، أصابها الانهيار والتخريب، فتحولت إلى مأوى للحيوانات الضالة والروائح الكريهة، في صورة بعيدة كل البعد عن الحد الأدنى من الكرامة الرياضية، المؤلم في الأمر أن شباب المدينة لا يزالون رغم هذه الظروف المزرية، يرتادون هذه المساحة المنهكة لممارسة نشاطهم الرياضي.

رغم الوعود بشأن إعادة تهيئة هذا الفضاء، فإنها لم تكن تتجاوز طور الاستهلاك الإعلامي، فقد تم الحديث في أكثر من مناسبة عن تخصيص غلاف مالي لإطلاق مشروع ترميم شامل، يشمل إعادة تهيئة الأرضية، تدعيم المدرجات، وبناء مرافق صحية وإدارية، غير أن المشروع ظلّ حبيس الرفوف، دون آجال واضحة أو ملامح تنفيذ ملموسة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية التعاطي مع ملف البنية التحتية الرياضية، خصوصًا في مدينة تضم طاقات شبابية كبيرة، وتنتظر مساحة تحفظ لها كرامة اللعب والتكوين.

وفي المقابل، يبقى الملعب الجواري “الطاهر شاوش” بعيدًا كل البعد عن أن يكون بديلاً يليق بسمعة الفريق المحلي، الذي يعيش موسمه الذهبي وأصبح على أعتاب الصعود، مدرجاته لا تسع حتى أنفاس مشجعيه، وأبوابه غارقة في مستنقعات مياه الأمطار الأخيرة.

إنّ الوضعية الكارثية للملعب البلدي الشهيد سعيدي الجيلالي، لا تحتمل مزيدًا من التسويف والمماطلة، كرة القدم في فرندة تستحق فضاءً يليق بتاريخها، وشبابها يحق لهم اللعب فوق عشب طبيعي أو اصطناعي، لا فوق الغبار والأحجار، آن الأوان لتتحول الوعود إلى مشاريع، والمخططات إلى إنجازات.

وقد بدأت بعض البلديات تسترجع نبضها الرياضي بفضل عمليات التهيئة التي طالت ملاعبها المهترئة، في خطوة طال انتظارها لإعادة الاعتبار لمساحات شبابية طالما همّشها النسيان. ملعب “السفير محمد” في السوقر يشهد حاليًا عملية تهيئة تدريجية، بعد سنوات من الإهمال، حيث أصبحت الأشغال الجارية بمثابة أمل لساكنة البلدية في استعادة أجواء المنافسة والفرجة.

وفي توسنينة، شملت الترميمات إقامة جدار حماية للملعب البلدي، كإجراء وقائي يضمن سلامة الممارسين وسط بيئة رياضية أكثر تنظيمًا، بلدية سيدي حسني بدورها عرفت عملية ترميم شاملة لملعبها البلدي، أما في قلب عاصمة الولاية، فقد انطلقت عملية إعادة تأهيل لملعب “قايد أحمد”، باستبدال البساط الاصطناعي بعشب طبيعي، وتجهيز المدرجات وفق معايير “الفيفا”، ما يؤشر على وعي متنامٍ بضرورة مواكبة المعايير الحديثة، هذه النماذج تؤكد أن تجديد الملاعب ليس ترفًا، بل أولوية في دعم النسيج الشبابي، وإطلاق ديناميكية رياضية محلية تعيد للرياضة مكانتها الحقيقية.

أمام هذا الوضع، تعالت أصوات الفاعلين الجمعويين، الرياضيين، وأنصار الفرق المحلية، مطالبة بإخراج مشروع إعادة تهيئة الملعب البلدي إلى حيّز الوجود، معتبرين أن الرياضة ليست ترفًا، بل حق من حقوق المواطن، وشريان حيوي في حياة الشباب، لما توفره من فضاءات للتعبير، الترويح، والتكوين الجسدي والنفسي.

لا يمكن الحديث عن تنمية رياضية دون الالتفات إلى البنية التحتية، خصوصًا في ظل الحديث المتزايد عن استراتيجية إنصاف تنموي تأخذ بعين الاعتبار الأولويات المحلية والإمكانات المتوفرة.

إعادة الاعتبار للملعب البلدي يجب أن تُدرج ضمن هذه الأولويات، بالنظر إلى رمزيته التاريخية، وضرورته الاجتماعية، ودوره في بناء مجتمع سليم من الناحية الصحية والنفسية.

الملعب البلدي، إذا ما تم ترميمه وفقًا للمعايير المعمول بها، يمكن أن يتحول إلى قطب رياضي نموذجي يحتضن مباريات رسمية، دورات كروية شبابية، أنشطة مدرسية، واستعراضات رياضية، فضلًا عن كونه متنفسًا بيئيًا واجتماعيًا لأهالي المنطقة.

لا مبالغة في القول إن الملعب، بالنسبة لشباب فرندة، هو المتنفس الوحيد المتبقي خارج المقاهي، ففي مدينة تفتقر إلى مراكز الترفيه والتكوين الشباني، يصبح الملعب أكثر من مجرد منشأة رياضية؛ يصبح رمزًا للأمل، وللإيمان بقدرة الرياضة على التغيير.

الرياضة ليست فقط نشاطًا بدنيًا، بل هي وسيلة لبناء الإنسان والمجتمع، فمن داخل الملاعب تتكوّن الروح الجماعية، وتُصقل المواهب، وتُزرع قيم التنافس الشريف والانضباط. فهل يُعقل أن يبقى شباب فرندة دون ملعب لائق في سنة 2025؟

ولعلّ أول خطوة على هذا الطريق، هي الاعتراف بأنّ الرياضة ليست أولوية ثانوية بل ركيزة أساسية في التنمية.

فرندة بدون محطة لنقل المسافرين… ربما في النسخة القادمة من التاريخ! – مقال محمد سبع

محمد سبع – الجزائر

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

 

شاهد أيضاً

سبع محمد

فرندة بدون محطة لنقل المسافرين… ربما في النسخة القادمة من التاريخ! – مقال محمد سبع

أخبار بلا حدود- في قلب الجزائر، تقبع مدينة فرندة العريقة، التي كانت عبر العصور مركزًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!