عرسٌ كروي في فرندة: حيث الحلم مشى على قدمين – مقال محمد سبع

سبع محمد
 

أخبار بلا حدود- في موسم كروي استثنائي؛ كُتب اسمه بماء القلب وعرق السواعد، أسدل الستار على بطولة القسم الجهوي الأول بصعود نادي فوز بلدية فرندة إلى القسم الوطني الثالث؛ بعد ملحمة رياضية لم تكن كسائر الملاحم؛ بل كانت ملحمة تواطأت فيها الأرواح؛ وتعاضدت فيها القلوب؛ واتفقت فيها أقدام اللاعبين مع دعوات الجماهير على أنّ الحُلم لابد أن يُقطف؛ 78 نقطة كاملة هي حصيلة موسم طويل من العرق والانضباط، والتفوق الكروي الممنهج،

لم يكن طريق الفريق ممهّداً ولا مبلطاً بوعود الاستقرار؛ بل كانت بدايات الموسم حبلى بالأزمات الإدارية والتخبط التنظيمي؛ ما أعاد إلى الأذهان كابوس موسم 2022/2023 حين سقط الفريق مرغمًا من القسم الثالث؛ ومع كل ذلك، وقف أبناء فرندة وقفة الأبطال متشبثين بخيط الأمل الرفيع؛ رافضين أن يكون موسمهم مجرد رقم في هامش البطولة، وبين بداية متعثرة ومسيرة محفوفة بالحذر؛ استطاع الفريق أن يتحوّل رويدًا رويدًا إلى الحصان الأسود الذي أربك المعادلات وأربك المتابعين؛ بل وفرض إاحترامه على خصومه قبل أن يسلبهم النقاط،

فمن الجولة الأولى؛ حيث انتصر الفريق خارج الديار على شوشاوة كارمان بهدف نظيف إلى غاية الجولة الأخيرة أمام شباب فيلاج باكير؛ لم يتراجع أبناء المدرب هوار عبد اللطيف عن الحلم؛ بل حمّلوه فوق أكتافهم وتقدّموا به وسط ميدان مشتعلٍ بالتنافس حتى حطوا رحالهم على منصة التتويج،

في عالم الأرقام لا مكان للمجاملة ولا حيّز للعاطفة؛ تنطق إحصائيات فوز فرندة بلسان الحقيقة المنهكة بالتضحيات؛ خاض أبناء فرندة ثلاثين مباراة،؛ خرجوا فائزين في خمس وعشرين منها؛ وتعادلوا في ثلاث مواجهات كانت جميعها خارج الديار أمام كل من جنين مسكين؛ شباب تخمارت؛ وأكاديمية فروحة، فيما انحنوا مرتين فقط أمام مولودية النيان وشباب الرشايقة، في محطّات لا تقلّل من قيمة ما قُدم على امتداد الموسم، بهذا الرصيد تساوى الفريق مع منافسه المباشر أكاديمية فروحة؛ الذي تألّق فنيًا وتكتيكيًا وأخلاقيًا على إمتداد الموسم؛ مؤكّدًا أنه فريقٌ ناضج يستحق كل الاحترام والتقدير؛ لقد كان ندًّا شريفًا في سباق الصعود؛ وترك بصمة مشرفة في الملاعب؛ ما يجعله من أبرز المرشحين للتألق في الموسم القادم بكل جدارة واستحقاق،
لكن أفضلية المواجهات المباشرة وفارق الأهداف منحت فوز فرندة صكَّ الصعود المشروع في مشهد كروي واضح الملامح؛ لم يترك لِتأويلٍ منفلت أو نقاشٍ عاطفي أي موطئ قدم؛ كانت الكلمة الفصل للأرقام؛ والفيصل فيها عدالة المنافسة وروح الميدان،

فعلى المستوى الهجومي؛ قدّم الفريق نسخة هجومية ضاربة بتسجيله 72 هدفاً؛ بمعدل 2.4 هدف في كل مباراة؛ وقاد هذا الخط الثنائي اللامع يوسف مخطاري وعبد القادر عسلاوي، بينما لم تستقبل شباكه سوى 17 هدفاً؛ ما يعكس صرامة دفاعية رسم ملامحها المدرب هوار عبد اللطيف وطاقمه الفني بعناية فنية قلّ نظيرها؛ حيث تماهت روح الانضباط مع الخطة المحكمة لتنتج منظومة متوازنة يصعب اختراقها، وتستحق الإشادة من أوسع أبوابها.

لكن ما تحقّق فوق العشب الأخضر ما كان ليرى النور لولا العمل الإداري الصارم الذي قاده رئيس النادي عبد الجبار محمد الذي أعاد ترميم جدران الفريق بعد موسم سابق كاد أن يُغلق فيه الكتاب؛ ومعه لعبت لجنة الأنصار دوراً محورياً؛ فهي لم تكن مجرد هيئة مشجعة، بل سنداً تنظيمياً وميدانياً؛ ضخت الدعم اللوجستي والمعنوي في كل لحظة؛ لتكتمل الدائرة بين الإدارة والجمهور؛ ويولد فريق لا يرضى بالحلول الوسطى،

وقد تجلّى الفصل الأخير من هذه القصة في ملعب أول نوفمبر بمدينة السوقر؛ حيث احتضن مباراة فاصلة ضد شباب فيلاج باكير؛ شهدت بدورها لحظات من التوتر والترقب؛ قبل أن يحسمها أبناء فرندة بنتيجة 2-1 وسط مدرجات امتلأت عن آخرها بآلاف الأنصار؛ الذين جاؤوا من كل القرى والبلدات المجاورة؛ ليصنعوا فسيفساء بشرية من الأعلام والطبول والهتافات التي لم تعرف السكون؛ ولم تخلُ السوقر من إشارات نبيلة إلى الروح الرياضية؛ إذ امتزجت فيها أصوات مشجعي شبيبة تيارت والسوقر بفرحة الفرنديين، في لوحة أخلاقية تحسب لكل الأطراف،

الرابطة الجهوية لكرة القدم بسعيدة هي الأخرى؛ خرجت مرفوعة الرأس من هذا الموسم؛ تنظيم محكم؛ رزنامة واضحة؛ إدارة رشيدة للقاءات الحساسة وصرامة في تطبيق القوانين؛ كل ذلك جعل الموسم يمر في كنف الروح الرياضية، بعيداً عن مشاهد العنف؛ والخروقات؛ والاعتراضات العقيمة؛ ويحسب لها ولرئيسها ولجانها؛ أنّها منحت الفرق فضاءً تنافسياً نزيهاً، تُبنى فيه النتائج فوق العشب وليس في المكاتب،

وفي فرندة لم يكن الصعود رقماً فقط؛ بل احتفالاً جماعياً غمر المدينة من حييها العتيقين إلى أطرافها النائية؛ خرج ساكنة المدينة كبارا وصغارا يلوّحون بالرايات؛ ويغنون للمدينة التي استعادت فرحتها؛ وامتلأت السيارات بالهتافات وتحولت الشوارع إلى ممرات احتفالية لا نهاية لها، الفرحة لم تكن محليّة فقط؛ بل امتدت عبر مواقع التواصل، الإذاعات الجهوية والمنصات الإخبارية التي أعطت الفريق ما يستحقه من الضوء؛ وعرّفت الناس بقصة “العودة من الرماد”،

لم تمرّ هذه الملحمة دون أن توثقها الأقلام، فالتغطية الإعلامية للفريق منذ بداية الموسم كانت حاضرة بكل شغف؛ نقلت كل همسة في أروقة الملعب وكل دمعة على وجوه اللاعبين؛ بل تجاوز صدى الحكاية حدود الوطن، لتؤكد أن فوز فرندة ليس مجرد صعود بل مشروع قصة نجاح جديرة بأن تُروى،

غير أن هذا الإنجاز رغم عظمته؛ ليس سوى بداية الرحلة؛ فالقسم الوطني الثالث ( مجموعة غرب) ينتظر خصماً عنيداً لا يرحم الغافلين ويضع فوز فرندة في مواجهة أسماء عريقة من وزن اتحاد بلعباس وسريع غليزان؛ وهو ما يفرض استعداداً مضاعفاً، تخطيطاً بعيد المدى؛ دعماً مالياً ملموساً؛ وتدعيماً فنياً مدروساً، الصعود كان إنجازاً؛ لكن البقاء سيكون اختباراً؛ يتطلب نفساً طويلاً وعقلاً يقظاً وقلباً لا يرتجف أمام ضغط المستويات العليا،
وفي إنتظار صافرة انطلاق الموسم المقبل؛ تبقى فرندة شامخة بصعودها،؛ حافظة في ذاكرتها أسماء أولئك الذين صنعوا الفارق؛ لاعبين ومدربين ومسيرين؛ وأنصاراً، قصة هذا الصعود لم تُكتب بالمجاملات، بل سُطّرت بالأرقام، وزُخرفت بالتضحيات، وخُتمت على جبين مدينة أرادت أن تعود… فعادت بحجم الحلم وبقيمة الإسم: فوز فرندة.

الجفاف تراجع والدولة تضخ الحياة.. تيارت تُكافأ بصبرها وتُروى بعرق المشاريع الكبرى! – مقال محمد سبع

محمد سبع – الجزائر

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

حنين فرنسي إلى تلمسان... عودة الروح إلى مدينة تلمسان حيث ترعرع فيها السيد سارج Serge

حنين فرنسي إلى تلمسان… عودة الروح إلى مدينة تلمسان حيث ترعرع فيها السيد سارج Serge – مقال بوعياد دباغ فوزي

أخبار بلا حدود- في صباحٍ دافئ من أيام الربيع، حطّ الرحال في مدينة تلمسان رجلٌ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!