
أخبر بلا حدود- تواصل الجزائر خطواتها الثابتة نحو تجسيد واحد من أكبر المشاريع الطاقوية في القارة الإفريقية، والمتمثل في أنبوب الغاز العابر للصحراء (TSGP)، الذي سيربط بين نيجيريا والجزائر وصولًا إلى أوروبا. المشروع الذي يصفه الخبراء بأنه “رئة جديدة للطاقة الإفريقية”، بات يشكل محور تنافس استراتيجي إقليمي بين الجزائر والمغرب، لما يحمله من رهانات اقتصادية وجيوسياسية ضخمة.
- عرقاب: المشروع نموذج للتعاون الإفريقي والتكامل الاقتصادي
أكد وزير الدولة، وزير المحروقات والمناجم، محمد عرقاب، في كلمته خلال افتتاح الطبعة الثالثة عشرة من معرض ومؤتمر « ناباك 2025 »، أن الجزائر ماضية في بعث مشاريعها الطاقوية الكبرى، وعلى رأسها مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يُعد أحد أبرز المشاريع المشتركة بين الجزائر ونيجيريا والنيجر.
وأوضح الوزير أن هذا المشروع يُجسّد روح التعاون الإفريقي والتكامل الاقتصادي بين دول القارة، مشيرًا إلى أنه سيساهم في تعزيز الأمن الطاقوي الإقليمي والدولي، ويفتح آفاقًا جديدة لتصدير الغاز نحو أوروبا عبر الأراضي الجزائرية، مستفيدًا من البنية التحتية المتطورة التي تمتلكها الجزائر في مجال النقل الطاقوي.
- قرارات استراتيجية من الجزائر ونيجيريا والنيجر
وكانت العاصمة أبوجا قد شهدت، في شهر فيفري الماضي، إجماعًا وزاريًا ثلاثيًا بين الجزائر ونيجيريا والنيجر، تم خلاله اعتماد جملة من القرارات المتعلقة بمسار تنفيذ المشروع، بعد فترة من المشاورات التقنية والسياسية.
وفي هذا السياق، صرّح وزير الدولة النيجيري للموارد البترولية عقب استقباله من طرف الرئيس عبد المجيد تبون، أن « فريق العمل المشترك خرج بقرارات حاسمة تم اعتمادها رسميًا من وزراء الدول الثلاث »، وهو ما مثّل نقطة تحول حقيقية في مسار المشروع الذي ظل حبيس الدراسات منذ سنوات التسعينيات.
كما تم في الشهر ذاته توقيع اتفاقيات جديدة لتسريع إنجاز الأنبوب وتذليل العقبات الإدارية والتقنية، في خطوة تؤكد الإرادة السياسية القوية للمضي قُدمًا نحو تجسيد المشروع في الميدان.
- التحرك المغربي ومحاولة كسب السباق
بالمقابل، حاول المغرب الدخول على خط المنافسة الإقليمية، من خلال توقيع مذكرة شراكة استثمارية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، تهدف إلى إقامة أنبوب غاز يربط بين المغرب ونيجيريا مرورًا بعدة دول إفريقية غربية.
وتشير تقارير اقتصادية دولية إلى أن الرباط تعتبر هذا المشروع أولوية استراتيجية لتعزيز مكانتها كمحور طاقوي في غرب إفريقيا، غير أن المعطيات التقنية والمالية تُظهر أفضلية المشروع الجزائري من حيث المدة الزمنية والكلفة الاقتصادية.
فبينما يُتوقع أن يُنجز الأنبوب الجزائري النيجيري في غضون أربع سنوات فقط بتكلفة تُقدّر بـ 13 مليار دولار، فإن المشروع المغربي سيحتاج إلى عشرين سنة على الأقل وبتكلفة قد تتجاوز 25 مليار دولار، مما يجعل المقاربة الجزائرية أكثر واقعية وجدوى من الناحية الاقتصادية.
- لقاءات دبلوماسية لتعزيز الشراكة الطاقوية
وفي 31 جويلية الماضي، عقد الوزير محمد عرقاب لقاءً هامًا مع وزير الشؤون الخارجية النيجيري يوسف مايتاما توغار، تم خلاله بحث سبل تعزيز التعاون الطاقوي بين البلدين، واستعراض التقدم المحقق في الدراسات التقنية والاقتصادية للمشروع منذ شهر مارس 2025، تحضيرًا لبدء الأشغال الميدانية قريبًا.
وأبرز الطرفان خلال هذا اللقاء أهمية المشروع بالنسبة للبلدين وللقارة الإفريقية عمومًا، إذ من شأنه أن يُحوّل الجزائر إلى محور استراتيجي لتصدير الغاز الإفريقي نحو أوروبا، في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابات متزايدة في مجال الطاقة بسبب الأزمات الجيوسياسية.
- مشروع استراتيجي بأبعاد قارية
يُنظر إلى مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء على أنه ركيزة جديدة للأمن الطاقوي الإفريقي، وفرصة لتسريع التنمية في بلدان الساحل من خلال الاستثمارات المرتبطة بالبنى التحتية والخدمات المرافقة. كما يُتوقّع أن يخلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة في الجزائر والنيجر ونيجيريا، إضافة إلى دوره في تقوية الروابط الاقتصادية والسياسية بين الدول المشاركة فيه.
ويؤكد المراقبون أن الجزائر تراهن على المشروع ليس فقط لتعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي، بل أيضًا لترسيخ حضورها الإقليمي، في ظل تحولات عميقة تعرفها أسواق الطاقة العالمية بعد الأزمة الأوكرانية.