أخبار بلا حدود- امتدت يد الفساد في قضية مشاريع “المياه” إلى قطاع البنوك والمصارف، والتي تلاعب عدد من إطاراتها بـ”القائمة السوداء” للإخطار بالشبهة، من خلال الترخيص لرجال أعمال متورطين في الفساد بفتح حسابات جديدة وتحويل الملايير دون حسيب ولا رقيب، ضاربين بذلك قوانين الجمهورية والأوامر القضائية عرض الحائط، بشكل جعل البنوك والمؤسسات المصرفية أمام حتمية إعادة النظر في مركزية المخاطر والنظام الرقمي، مع تحيين الشبكات الرقمية للبنوك حتى يصبح الإخطار بالشبهة معمما لمنع أي تجاوزات من هذا النوع مستقبلا، وهي النقطة التي تم أخذها بعين الاعتبار في مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد، والمتواجد حاليا على طاولة مجلس الأمة للنقاش والمصادقة عليه.
وشهد اليوم الثاني من جلسة محاكمة الوزير السابق للموارد المائية أرزقي براقي ومن معه، مواجهة “ساخنة” بين القاضي ونيابة الجمهورية للفرع الرابع للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي، والمتهمين من فئة مديري وإطارات البنوك العمومية والخاصة، والذين تورطوا في خرق القوانين المصرفية، وداسوا على مراسلات صادرة عن خلية الاستعلام المالي بطلب من الديوان المركزي لقمع الفساد وقاضي التحقيق القطب الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، من أجل التجميد التحفظي للحسابات البنكية والشخصية لرجل الأعمال “غ.عبد الحق” وشركته”GACB”، مع إصدار الإخطار بالشبهة ضده، إلا أن هذا الأخير قام خلال فترة التحريات الأولى وبتواطؤ من إطارات ببنك التنمية المحلية (وكالة أولاد فايت) بفتح 4 حسابات بنكية عن طريق تدخل المتهم “ع.ع” لدى المتهم “ب.ي” نائب مدير مكلف بالمؤسسات ببنك التنمية المحلية، والمتهمة “ط.ه” مسيرة تجارية بذات الوكالة أين سلمهم وثائقه وتم فتح الحسابات البنكية فعلا.
والأخطر من ذلك، فإنه ورغم الإخطار بالشبهة الصادر ضد المتهم “غ.عبد الحق”، إلا أنه قام بتحويل مبلغ 1 مليار دينار أي 100 مليار سنتيم، من حسابه لدى وكالة “ترست بنك عين البنيان” إلى الحساب الجديد لشركته بسبب الإخطارات بالشبهة، وهذا بعد الموافقة والحماية المطلقة للمديرين العاميين بالنيابة لبنك “ش.أ” و”ب.غ”، كما قام المتهم بمنح صكوك لمسيري عدة شركات، والذين قاموا بدورهم بسحب كل المبالغ المالية التي كانت بالحساب الجديد لشركته، كما قام المدعو “غ.عبد الحق” ومسير شركته الذي استفاد من عدة مشاريع على مستوى الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات في فترة تولي وزير الموارد المائية سابقا أرزقي براقي، بإيداع مبلغ بالعملة الصعبة يقدر بـ2500.00 أورو في حساب زوجة براقي بتاريخ 26 فيفري 2019.
- هكذا تم التلاعب بـ”الإخطار بالشبهة”
وثار قاضي الفرع الرابع للقطب الاقتصادي والمالي، ضد التجاوزات التي ارتكبها مديرو البنوك بالنيابة وإطاراتهم سواء على مستوى “ترست بنك” أو بنك السلام أو بنك التنمية المحلية، إذ سأل مدير فرع بنك السلام “ل.خ” بخصوص كيفية فتح المتهم “غ.عبد الحق”، لحساب بنكي رغم وجود الإخطار بالشبهة ضده ودون أدنى مراقبة، ليرد المتهم قائلا: “سيدي الرئيس، نحن في الفرع مجبرون على تحقيق هامش الربح واستقطاب المزيد من الزبائن والتكثيف من العمليات والبيع، فنحن نخضع لرقابة دورية، وعندما تقدم إلينا “ن.ب” بطلب فتح حساب بنكي باسم شركةGACB مرفوقا بوثائق إثبات وكنا آنذاك في فترة “كوفيد 19″، أين تم تقليص عدد العمال من 29 عاملا إلى 3 فقط وهم أنا وموظفان اثنان آخران، وعند فتح الحساب من طرف الموظف لم نتلق أي مراسلة تخص إخطارا بالشبهة لهذه الشركة من طرف المديرية العامة لبنك السلام بالجزائر العاصمة”.
وتابع المتهم تصريحاته: “سيدي الرئيس نحن مازلنا في البنك نعمل بالنظام اليدوي المسمى بـ”T24″، وعلى هذا الأساس فعند تقديم الوثائق لفتح الحساب البنكي، تصفحت الملف بسرعة وسطحية، وأنا أعترف سيدي الرئيس أنني ارتكبت خطأ.. فأنا بشر وكنت تحت ضغط العمل، أمام نقص الكبير للموظفين بسبب وباء كورنا كما سبق وأن قلت”.
وفي هذه الأثناء، يقاطعه وكيل الجمهورية الذي كانت علامات الغضب بادية على وجهه، ويسأل المتهم: “ألا تعرف أن الخطأ الذي ارتكبته تسبب في ضرر كبير.. تحمّل مسؤولية إهمالك إذن”، ليرد عليه المتهم قائلا: “نعم سيدي الوكيل أخطأت ولكن من هذا المنبر أدعو السلطات العمومية وعلى رأسها وزارة المالية إلى إعادة النظر في الأمور من خلال تحيين الشبكات الرقمية للبنوك خاصة التجارية منها حتى تصبح شبهة الإخطار معممة على مستوى جميع البنوك العمومية والخاصة”.
وبعدها نادى القاضي على نائب مدير وكالة بنك التنمية المحلية المتهم “ب.ي” الذي تقدم إلى منصة الاستجواب وهو على الكرسي بسبب إصابته في رجله ليحاصره بكم من الأسئلة قائلا: حدثنا عن الظروف التي تقدم بها “غ.عبد الحق” إلى الوكالة لفتح حسابات بنكية؟”، ليرد عليه المتهم: “سيدي الرئيس، أنا لا أعرف المدعو “غ.عبد الحق” ولا تربطني أي علاقة معه، بل تعرفت عليه عن طريق أحد الزبائن “ع.م” الذي كان مسيرا بشركة “كوبا باست” الموطنة على مستوى بنك التنمية المحلية (وكالة سطاوالي)، ففي المرة الأولى تقدم المدعو “غ.عبد الحق” إلى الوكالة لفتح حساب بنكي، لكن بعد المراقبة والتدقيق اتضح أن هذا الشخص لديه إخطار بالشبهة، وهو الأمر الذي دفعني إلى رفض فتح حساب بنكي له، وبعد أسبوع تقريبا تقدم شخص آخر باسمه من أجل فتح حساب “.
القاضي يقاطعه: “هذا الشخص محل إخطار بالشبهة ورغم ذلك قمتم بفتح حسابات بالبنك أليس هذا تجاوزا وجريمة ودوسا على القوانين المعمول بها؟.. ليجيبه المتهم: “سيدي الرئيس المسيرة التجارية للوكالة، هي من قامت بمراقبة كل الوثائق المكونة للملف التي استنسخت وأدرجت بمنظومة الإعلام الآلي للبنك، كما أن المسيرة هي من قامت بإدراج كل المعلومات في هذا النظام، باعتبار أن هذه الأخيرة تحوز رقمي السري الخاص بمنظومة الإعلام الآلي وهي معتادة على استعماله من حين لآخر”.
وفي هذه الأثناء يتدخل وكيل الجمهورية الذي كان على مرمى حجر من المتهم، ويثور ضده ثم يخاطبه: “أنت كنائب مدير وكالة بنك التنمية المحلية لم تسمح فقط بفتح الحسابات البنكية بل تغاضيت أيضا عن عمليات التحويل المتكررة التي قام بها المتهم “غ. عبد الحق” وكانت آخر عملية تحويل تتعلق بـ63 مليار سنتيم، ألا يعتبر هذا مشاركة في تبييض الأموال؟”.
المتهم يرد على ممثل الحق العام: “سيدي الوكيل أنا أجهل تماما أمر صدور إنذارين على جهاز الإعلام الآلي للمسيرة التجارية عند فتحها الحساب التجاري لشركةGACB، كما أنني لا أعلم إطلاقا بموضوع إدراج تاريخ صدور رخصة السياقة الخاصة بـ “غ.عبد الحق” بالخانة المخصصة لتاريخ الميلاد في نظام الإعلام الآلي للبنك، والذي بموجبه تم فتح الحسابات البنكية له”.
الوكيل يستغرب ويسأل مجددا: “كيف تشغل منصب نائب مدير وكالة بنك عمومي ولا تعلم بأن المتهم “غ. عبد الحق” وشركته محل إخطار بالشبهة؟”. ليرد عليه المتهم: “والله العظيم أجهل تماما أمر صدور إنذارين على جهاز الإعلام الآلي للمسيرة التجارية عند فتحها الحساب التجاري لشركةGACB”.
وبالمقابل كشف المتهم أمام هيئة المحكمة، أن “غ.عبد الحق” قام خلال الفترة الممتدة بين 11 فيفري إلى 20 فيفري 2020 بعدة تحويلات من حساب شركته، إلى حساب شركة “كوبا بايت” وحساب “ك.ن” وخلال الفترة الممتدة بين 24 مارس 2020 و1 جوان 2020 قام بإصدار عدة شيكات بقيمة تفوق 46 مليار سنتيم، كما قام بتاريخ 9 أفريل من نفس السنة بتحويل عن طريق نظام “ART” من حسابه البنكي المتواجد على مستوى وكالة ترست بنك بأولاد فايت مبلغ ماليا يقدر بـ 100 مليار سنتيم.
فيما اعترفت المسيرة التجارية بوكالة بنك التنمية المحلية بأولاد فايت المتهمة “ط.ت”، أنها فعلا أخطأت أثناء معالجتها للمعلومات وإجراءات فتح الحساب البنكي لشركة “GACB” لمالكها “غ. عبد الحق”، الذي قالت عنه إنها لا تعرفه ولا تربطها أي علاقة معه لا من قريب ولا من بعيد، وأن ضغط العمل هو الذي دفعها إلى عدم التدقيق في تاريخ ميلاده، ودونت بدل ذلك تاريخ إصدار رخصة السياقة لهذا الأخير، لكن ليس عمدا، على حد قولها.
وبالمقابل حاصرها القاضي بخصوص واقعة ظهور إنذارين بخصوص فتح الحساب البنكي التجاري لشركة “غ. عبد الحق”، لتجيب المتهمة التي بدت واثقة من نفسها وهي ترد على اتهامات المحكمة: “سيدي الرئيس عندما قمت بفتح الحساب لهذه الشركة، لم يظهر أي إنذار على شاشة جهاز الإعلام الآلي للبنك، كما أن “ب.ي” باعتباره نائب مدير الوكالة هو من يقوم بعملية الرقابة بعد فتحي للحساب”.
من جهته فإن المتهم “ش.أ” نائب المدير العام المكلف بالشؤون المالية وما بين البنوك لبنك “ترست بنك”، وخلال مواجهته من طرف رئيس الجلسة بالتهم المنسوبة إليه مع إعلامه بالتجاوزات التي قام بها، قال إنه طبقا للتنظيمات وتعليمات بنك الجزائر المعمول بها فإن كل تحويل عن طريق نظام “RTGS” الخاص بالمبالغ الكبيرة التي تفوق مبلغ 1 مليار دينار، يجب أن يتم عن طريق صاحب الحساب ويكون في نفس اليوم، مؤكدا أن هذا هو المعمول به بالنسبة لعموم التعاملات، بالإضافة إلى ذلك يقول المتهم “تقوم المديرية العامة لبنك ترست بمراقبة الخزينة من أجل التأكد أن الرصيد كاف للقيام بالتحويل، كما أن النظام الداخلي الخاص بمتابعة ومراقبة معرفة الزبون “KYC” من صلاحيات الوكالة التي قامت بفتح الحساب ويتم عن طريق هذا الإجراء متابعة كل تحركات الزبون الداخلية في البنك”.
ووصل المتهم تصريحاته قائلا: “كما أن الإجراءات المعمول بها في حالة ورود مراسلات من طرف خلية الاستعلام المالي أو الجهات القضائية إلى المديرية العامة أو الوكالات التابعة للبنك، هي أن المديرية العامة تقوم بمعالجة البريد الوارد وتحويله للمديرية العامة للشؤون القانونية أو مديرية المطابقة، من أجل دراسته وتحويله للوكالات من أجل تطبيق محتوى هذه المراسلة وكذا إدخالها في نظام الإعلام الآلي المسمى “BANKS”.
وفي رده على سؤال هيئة المحكمة بخصوص طريقة التعامل مع الإنذارات الواردة من خلية الاستعلام المالي قال المتهم: “مدير الوكالة هو من يقوم بمتابعة هذا الحساب، وفي حالة الشبهة يقوم كل موظف بإخطار مديرية المطابقة بالمديرية العامة التي بدورها تراسل خلية الاستعلام المالي، أما فيما يتعلق بشركة “غ. عبد الحق”، فقد تم إخطاري من طرف مديرة وكالة عين بنيان عن طريق البريد الإلكتروني بخصوص عملية طلب تحويل مبلغ كبيره قدره 100 مليار سنتيم، من الحساب البنكي التجاري للشركة إلى حسابها البنكي الموطن ببنك التنمية المحلية (وكالة أولاد فايت)، فقمت رفقة المدير العام بالنيابة “ب.غ” بطلب من مدير الوكالة إحضار “غ. عبد الحق” إلى مقر المديرية العامة بحيدرة، من أجل التفاوض معه لإبقاء الأموال على مستوى بنك ترست، إلا أن هذا الأخير رفض وبرر ذلك بأنه يملك مشروعا لدى بنك التنمية المحلية وأنه سيتم استعماله كمساهمة فردية في المشروع”.
وبخصوص موضوع شبهة الإخطار التي رفعتها إدارة البنك ضد المتهم “غ. عبد الحق” وضد تعاملاته، فقد اعترف المتهم بأنه على علم بذلك، إلا أن الحساب البنكي التجاري لشركته لم يكن مجمدا وإنما تم تجميد حساباته البنكية فقط.
- “كل محضر تحضر”
كما يقال بالعامية “النية في لهبال” حاول المسير غير الشريك لشركة “كوبا باست” المتهم “ع.ع” المسؤولة عن جميع المناولات التي تخص شركةGACB””، التنصل من مسؤولية أفعاله، بالرغم من أنه هو من كان يتوسط لرجل الأعمال “غ. عبد الحق” في جميع عملياته على غرار فتح هذا الأخير لـ 4 حسابات بنكية على مستوى وكالة بنك التنمية المحلية بأولاد فايت، إلا أن القاضي وبلغة شديدة اللهجة قال له: “أنت في كل محضر تحضر.. لي يحب يسحب الصوارد تروح معه، لي يحب يفتح حساب تروح معه، ولي يحب تحويل الأموال كذلك تروح معه.. خير إن شاء الله؟”، ليتلعثم المتهم ثم يتوقف تماما عن الحديث.
وبالمقابل، ثار القاضي ضد المتهم “ع.ف” الشريك المسير لشركة “كوبا باست” بسبب محاولته مراوغة هيئة المحكمة من خلال تضارب أقواله بخصوص الشق المتعلق بالإمضاء على الشيكات على بياض، وواقعة سحب 29 مليار سنتيم وتقاسمها بعد أن أنكر أنه لم يأخذ ولا سنتيما فيها.
وفي “حركة بهلوانية” حاول المتهم “م. س” مسير شركة “سيزار” للمناولة في مجال الأشغال والبناء، استعطاف المحكمة، حيث أغمي عليه تماما وكاد أن يسقط أرضا لولا هيئة دفاعه التي سارعت إلى مساعدته، بسبب محاصرته من طرف القاضي الذي واجهه بحقيقة تأسيس شركته في ظرف شهر واحد فقط، وحصوله على صفقة 32 مليار سنيتم بالرغم من أن هذه الشركة لا تحوز على الكفاءة والخبرة ولا الإمكانيات المؤهلة.